العنف الثوري”ّ!
إبراهيم درويش
يصرّ البعض عن سوء تقدير، أو عن سوء نيّة، أن يؤكّد أن لا خروج للبنان من محنته إلا عبر “العنف الثوري”.
تختلف التسميات، والتوصيفات، والإستراتيجيّات المرسومة، لكسر أيّ حلقة من حلقات هذا “السيستم”، الذي وعلى إختلافإنتماءات أركانه ورموزه، شديد التلاحم والتماسك، حدّ التكامل والتماهي.
فلنبحر قليلاً، الى ما قبل الحرب الأهليّة، ولنبحث في هويّة المتقاتلين، وبرامجهم السياسيّة العسكريّة، وإختلافاتهمالمدعومة خارجيا، والتي حوّلت لبنان الى مستنقع دماء، لم يبتلع سوى أبنائه، من الفقراء، الذين كان بعضهم، وعن قناعة تامّة،حتى ولو كانوا إستثناءً، شديدي الإقتناع أنّهم يقاتلون من أجل لبنان أفضل، وحتى وإن كان الأمر من وجهة نظرهم.
وها نحن اليوم، بعد “طيّ صفحة الحرب الأهلية”، نعيش حرباًأهليّة، على أيدي وحوش، خلعت عنها، الزيّ العسكري، وتقمصّت بهيئة رجالات سياسة، وإقتصاد، وبعضها، حظيبأوسمة “رجالات الدولة”.
ما نعيشه اليوم، يفوق آثار حرب أهليّة، يتأكد فيها من لا يموت، أنّه حظي بفرصة النجاة، اليوم لا ناجٍ بيننا، كُدّسنا في غرفة إنعاش واحدة، ونراقب كل يوم بيوم، جهاز التخطيط، اذا ما كانت ستستقيم خطوطه، معلنة، إنتهاء رحلتنا عل متن قارب، لم يطأ جزر الأمان يوما.
تزداد حماسة البعض، يرتفع الادرينالين في كيان آخرين، فيؤكدون أن الحلّ الأوحد في سقوط ما تبقّى من هذه الدولة، لتصبح وجهة معركتهم، مع الجيش والقوى الأمنيّة، فيضربونها بعنف معنويّ، واعلاميّ، وسياسيّ، وشعبيّ، أما بعد فماذا!
يغيب عن بال هؤلاء، أنّ هذا النّظام متجذّر في كل شيء، حتى في وجدان الشعب، وأن سقوط ما تبقّى من هذه الدولة الهشّة،المتآكلة، والمتهالكة، ما هو إلا هديّة، مجانيّة، لعسس الليل، ليشرعنوا قوانينهم، تحت شعارات مختلفة، فيشدوا الخناق على مناطق نفوذهم، فيما ستغصّ الشوارع والأحياء، بقانصي الفرص، للإنقضاض، على كلّ شيء، حيث مسرحهم وملعبهم.
بواقعيّة، وعقلانيّة، حان الوقت لمراجعة الكثير من الشعارات، التي رفعت في السابع عشر من تشرين، ولا سيّما خلع الشعبعباءة الطوائف والاحزاب والتمرّد على السياسات، وعلى مافيات الإقتصاد والمال، فقد نجح النظام، بمساعدة المحتجّين، في فرط عقد أي حراك شعبي، وعاد كثيرون، الى قواعدهم المناطقيّة، والحزبيّة والسياسيّة.
لم ينجح أبناء السابع عشر من تشرين بالخروج، بتوليفة واحدة،قادرة على إحداث إبسط التغييرات في ذهنيّة إدارة هذا البلد، وما الذي نعيشه اليوم، الا إرهاصات فشل هذا النظام، وعجز الشعب عن بلورة جملة من المطالب، التي كان يمكن الانطلاق عبرها، للبحث عن مساحات شعبيّة مشتركة.
اليوم، ورغم تعاقب الاحداث، التي شكّلت فرصة جوهريّةحقيقيّة، لتوحيد اللبنانيين، حول مطالب مشتركة محقّة، عدنا لنغرق في وحول السياسة، ولعبة التحاصص، بينما يواصل سارقونا، تناتش لحمنا الحيّ، لنجد أنفسنا في مرحلة حكم جديدة، أشدّ صراحة، وهي حقبة “حكم التجّار والفجّار، ومافيات الإحتكار“.
أما السؤال الأهم، هل هذا ينتهي، بخلاصة واحدة هي الإستسلام؟
على الرّغم من أننا جميعا كشعب، نلوك الإستسلام ونرفض الإعتراف به، رغم محاولتنا الصراخ والتمرّد، والكتابة، إلا أن أفق إحداث فجوة في جدار الحكم، يمكن أن تكون جديّة، فيما لو تبدّل شكل المعركة، وآلياتها، وأدواتها، بعدم الإنجرار الى اللعبة، التي وبعد كل تجربة أثبتت، بما لا يقبل الجدل، أنها لقاح التعافي لاستشراس هذا النظام المالي والسياسي، ومقتل حركات المطالبة.
خياران، لا ثالث لهما، إما الاقتناع، بضرورة البحث، عن نواة وطن، عبر التعاطي مع الواقع كما هو، وتحديد مطالب، يمكن ان تشكل أرضيّة جامعة، بعيداً من التموضع والتخندق الأعمى، فمثلا، ما الذي يمنع اليوم، من أن يتوحّد الشعب، حول مطلب الضغط لتشكيل الحكومة، بعيداً من الغوص في تفاصيل الحسابات السياسيّة، أو حول مطلب، إستقلالية القضاء، أو كسر حصريّات الإحتكار، والسماح للتجار، بإحكام القبضة على رقابنا، لكن المشهديّة العامة تؤكّد اننا كشعب، لم نصل الى نضج المواطنة، لحكم أنفسنا بأنفسنا.
أما الخيار الثاني، فهو لا شيئ مختلفاً عمّا نقوم به اليوم.