في تشييع نصرالله وصفي الدّين… جزئيّة هامة كانت ناقصة

 إبراهيم درويش_ العربي المستقل

كان الوقع مهيباً، بدءا الحدث نفسه، الى التاريخ المحدّد، الى شخصية الحدث، الى الإجراءات الأمنيّة، الى جحافل الوافدين، من مختلف الجنسيّات والمذاهب والأعراق والأعمار.

لكن الصورة، لم تكن مكتملة الأجزاء والعناصر، كان هناك جزئيّة هامّة ناقصة في المشهديّة، لسدّ أيّ فجوة في السرد التاريخي.

كان الحدث أشبه بمحكمة أخلاقيّة عرفيّة علنيّة، أمام عدسات الإعلام المحلّي والعربي والإقلّيمي والدولي.

ال ش هيدان في ساحة الحشد الجماهيري. المشيّعون والمودّعون، الذين حملوا في عيونهم، أطناناً من الدموع المعتّقة والمخزّنة، صوت الأمين يصدح عاليا عبر مكبّرات الصوت، وكأنه رتّب كل شيء قبل الرحيل، وخطّ حروف وداعه، كي لا يرهق الموّدعين بالبحث عن كلمات، تليق بالمناسبة الجلل.

لم يكن ينقص المحاكمة الوداعيّة، سوى حضور القاتل، ليعيد تمثيل الجر يمة، وليسقط التأويل والتحليل، وليعفي الرواة، من ترتيب الحروف، فيتكفّل من حسابه الخاص، بقصّ الرواية الكاملة، على مختلف الأجيال، من ألفها الى يائها.

في عد وانه الأخير، تكفّلت الطائرات المعادية، في بث الرعب في النفوس، بهديرها، وبخرقها لجدار الصوت، وبـ “شخرات” صواريخها القاتلة. كانت بالنسبة لكثيرين قوّة خارقة، مجهولة العناصر، تفرز من بعيد رعباً محسوسا، تُلمس نتائجه المادية، شه داء وجرحى، ودمار، وخراب، بلا أن يُرى.

كان الجمع أمس، بأمسّ الحاجة الى هذا التشبيح الفاجر الصلف والوقح، كانوا بأمسّ الحاجّة، الى مشاهدة قاتلهم عن قرب، الى التحديق في وجهه، فلطالما واجهوه برا، بما توفّر بأيديهم من أسلحة، بالماء والزيت المغليين، وبالصدور العارية، ولم تسمح الفرصة لمواجهته جواً بشكل مباشر وصريح وعلني.

كان النّاس، يبرّدون جمر قلوبهم بجمر دموعهم، على قاعد السالب بالسالب، يستوجب الموجب، كانوا يلوّحون بأيديهم لوداع صادق الوعد، لا سلاح بأيديهم، سوى سلاح الثبات والوفاء والايمان بالخالق وبالحق وبالأرض، لحظة حضر القا تل بمقاتلاته الأربع، محلّقا فوق رؤوسهم، فرفعوا أيديهم عاليا، كأنهم يقاتلون الطائرات ويبعدونها عن خصوصية مناسبتهم، بعضهم رفعوا أحذيتهم، بعضهم اشتدّت قبضاتهم الغاضبة، فيما علت الأصوات، “هيهات منّا الذلة”.

ما كان يحتاجه الحشد، هو التأكيد على أنّ الأمر الذي يخشونه، كانوا بحاجة الى الوقوع فيه.

كانوا وفي أشدّ لحظات الضعف والبكاء، بحاجة، الى من يشحذ هممهم، كانوا بحاجة الى حضور القا تل ليخبرهم، أنّ حتى في حزنهم، وانشغالهم بمصابهم، هو يريد قتلهم، وأن لا رادع دوليا، ولا أخلاقيا أو انسانيا، يمكن أن يلجمه، كانوا بحاجة الى خطوته تلك، في اللحظة المناسبة، ليكتمل المشهد، وليُجمع الجمع بصوت واحد، بين السلة والذلة، هيهات من الذلة.


#نصرالله #صفي_الدين #تشييع #المدينة_الرياضية