إبراهيم درويش- العربي المستقل
ليس مستجدّا، إستخدام الدعاية السياسيّة، والترويج لأفكار، ولمفاهيم، ولمشاريع، ولا الاستفادة من الدعاية السوداء، التي لا تستند الى مصادر موثوقة، ينطلق منها كاتب الخبر وناشره، في محاولة لتوهين العدو، ورفع معنويات الفريق الذي يوجّه، أو الذي تتناسب تطلعات مروجي الدعاية وتوجهاتهم معه، وهذا ما قرأنا وعنه، ونبحث فيه على امتداد الحقبات التاريخية والمعارك.
وعندما نتحدّث عن دعاية، فهي لا بد وفي الحد الأدنى، ان تحتوي على فكرة إبداعية، على حبكة، بما يجعل الدعاية أقوى، وأكثر تأثيرا، وبقدرة أكبر على الإقناع.
أما اليوم، وأمام هذا الانحدار الفكري، الثقافي، الأخلاقي، الذي نعيشه وأمام التحديات التي ستتحول الى مخاطر حقيقيّة، تهدّد كل أسرة وكلّ فرد، وأمام، تدرّج الوقاحة، من خانة العمل القبيح، الى مائدة الحريّات، وأمام هذا النهم السريع، لاعتلاء المنصّات على حساب المعايير المهنيّة، والأخلاقيّة، وحتى الإنسانيّة، لا يجد كثيرون أيّ رادع، في كتابة أيّ شيء، وشتم أيّ شيء وأيّ كان، وفبركة أي خبر، وكل ذلك تحت خانة الحريّة الفرديّة وحريّة الرأي والتعبير.
بطيبعة الحال، لم نُخلق، بلون واحد، ولا بأحجام موحدة، وليس من المطلوب أن نكون جميعا، بتوجهات مشتركة، لكن في الحد الأدنى، قد يخطر في بال إنسان، وقد يسأل نفسه لما لا نلتقي جميعا، في دائرة الانسانية، من دون أن ننصهر في مجموعات واحدة، او في أحزاب أو جماعات وبوتقات ذات توجه واحد، سوى بما يهدّد حق الإنسان بالحياة، أو يمنعه من الاستحصال على الحقوق البديهية التي تميّزه عن الجماد والحيوان، ومن هنا لا يجب اختزال، أو التأثير على حرية التعبير، لكن أن يتلطّى كثيرون حول هذه المفاهيم، للبحث عن نفايات وسائل التواصل، وإعادة فرزها، ومرمغة كل مساحة تطالها ايديهم، وتبلغها حناجرهم، لا لشيء، الا لدغدغة حقد كامن في القلوب، والاستمتاع بالتلذذ، في محاولة تهشيم صورة احدهم، بالكذب، وبالافتراء، وبالتضليل، فهذا، أوسخ وأخطر الشتوهات الإنسانيّة.
وبناء عليه، فإنّ أخطر ما ترافق مع الخبر المتداول، حول الاعلامي الزميل حسين مرتضى، استسهال نقل الخبر والترويج له، على علم الناشرين، والمروجين ان هذا الخبر، لا يستند الى معلومة، أو معطى، وهذا نهج بات محتذى بصلافة ووقاحة، حيث يدرك البعض عدم صحة ما ينشرون، من أخبار ومعلومات، ويصرون على نشرها كونها تناسب مع ما يخدم مرامهم، حتى لو كانت الأخبار، مدسوسة من العدو، والذي تحوّل الناطق باسم جيشه، ووسائل إعلامه مصدر أخبار لكثيرين.
وأوسع من خصوصية حالة حسين مرتضى، فان المسار المتّبع في استسهال فبركة، وتبني ونشر معلومات من دون مصادر، وليس لها أيّ ركيزة تدلّل على صحتها، لا سيما عندما نتحدّث عن إعلاميين، وسياسيين، وأشخاص يتظللون تحت الستار الثقافي، سيفضي الى وأد الحقيقة مستقبلا، ليست حقيقة ما تم تناقله عن مرتضى، بل أي حقيقة بمفهومها كمصطلح، والتي ستصبح ملك أصحاب النفوذ والقدرة على التأثير والدعاية، وعلى النشر والترويج، متسلحين، بجحافل من الحاقدين، الذين لا يتوانون عن اجترار، أيّ مادة وإعادة تقيّئها على صفحات التواصل الاجتماعي، ما دامت يمكن أن تطال خصمهم، او عدوّهم، وستتحقق تفاعلات، ماعاد يهمهم، إن كانت سلبيّة أم إيجابيّة، أو تشتمل على شتائم، وما دامت، ستجعلهم محطّ اهتمام، بأقل تكلفة، وبأقل مجهود، لا سيما أنّ جزءاً يسيراً منهم، هذه هي المهارة الوحيدة التي استطاع امتلاكها.
غدا، وفي عصر الذكاء الاصطناعي، ستضيع الحقائق بشكل أكبر، وسيصبح الجميع أهدافا سهلة، الا من تحصن، بالمهنيّة والأخلاق والقيم، وتسلّح بمسيرة واضحة شفافة وغير مشبوهة. غداً، ستفبرك الصور والمقاطع، بشكل يستحيل تكذيبها، وسيتم صنع حقائق جديدة، مزيفة بدقة أعلى.
غدا قد يكون الجميع مشاريع ضحايا، وستكون أكبر الضحايا القيم الإنسانيّة، وستصبح الإتّهامات المكالة الى مرتضى، تفصيلاً، أمام سيتعرّض له كثيرون، لا سيما تلك الطبقة، التي تنادي بالحريّات، وبالحقوق، وترفض المظلومية، وتكون شريكة في تبني الاخبار الواردة من مصدر مشبوه، وتنشر، وتروّج من دون، تحقّق، ولا تدقيق، لا لشيء، الا للتشفي، ولمحاولة تسجيل نقاط، بأي وسيلة متاحة، حتى اقذرها، وأوسخها، بلا أي تردد.