بين الجلّاب والحلويات الرمضانية… مكاشفة وجردة حساب سريعة بين وزير الطاقة وليد فياض ووالده

إبراهيم درويش- العربي المستقل

 

حول طاولة عملاقة من خشب سفينة عتيقة، لفظَها البحر بعد رحلة أخيرة أتعبت جنباتَها، قبل أن تحتضنها يدا نجّار موهوب، وتقع لاحقاً على ناظرَي معمار شغِف، قرّر أنها تناسب جداً لتكون جزءا من الهوية الكُلّية لمكان، فيه الكثير من فنّ العمارة، والكثير من حكايا الأمس، وبذور الغد، مخرت باخرة سهرتنا الرمضانية، من شواطئ فنّ الحجر، الى ميناء هموم وشجون البشر.

شرعتُ الكتابة في لحظِ طاولةٍ قد لا تعدو عن كونها جماد متغيّر في ثبات المكان، الا أنها أصبحت ركنا اساس، بعد تحوّلها الى ملتقى للنقاش والتباحث، واللقاء، واستحالتها منتدى سياسيّ، ثقافيّ، اجتماعيّ، وترفيهيّ. هناك فوق خشبها خططت مقالات عدّة، وصوّرت مئات المقاطع، وأجريت مئات المقابلات والإجتماعات، ورسمت مع المهندس المعمار جمال مكة، برامج نشاطاتنا وندواتنا، وأمسياتنا السياسية، الثقافية، والاجتماعية، التي احتضنتها القاعات المتنوّعة لقرية الساحة التراثية.

أن تجالس المعمار رهيف فياض على مائدة إفطار رمضانيّة، في سهرة أشبه ما تكون الى سهرة عائليّة، يعني أن تعتمر القبّعة الهندسيّة، وتنتقل معه من مطعم الساحة أحد المعالم السياحيّة الثقافيّة التي تخرق جماد بيروت، الى عواصم متعدّدة، ترك فيها فياض، معالم هندسيّة، يراهن أن تتكفّل مع الوقت، بتحصين الثقافات المجتمعيّة، من التغوّل الغربي المخيف، المتسلّل من بوابة العولمة والتحضّر. وبينما تتكفّل المشروبات في ابتلال العروق، وتبديد ظمأ الصيام، ومع رائحة البخورالمنبعثة من كوب جلاب، يرتشفه المعمار فياض، كمن يعصر فيه خلاصة تجربة واسعة في فن العمارة، يزيد مجالسيه عطشاً ونهماً، لارتشاف أكبر جرعة متاحة من معين خبرته، وفكره، وطموحه، المختمِر نضوجاً، واليافع طموحاً.

ما قد يجهله كثيرون، هو أنّ المعمار رهيف فياض، والد وزير الطاقة وليد فياض، هذا الرجل، الذي وفقا لأمانة متابعتي، يحاول أن يحقّق خرقا، ويفتح كوّة أمل في جدار هش، آيل للسقوط المدوّي في أي لحظة، بعد ما أمعنت المحاصصة والفساد في خلخلة أعمدته، حتى بات الترقيع والتدعيم، آخر الخيارات المتبقيّة في بلد، بات الشلل فيه نهجا وفرصة للترنّح بانتظار إما الارتطام الأعظم، أو لحظة نجاة دوليّة، تتسرّب من الظروف الإقليمية الدولية.

لا يمكن لأحد، أن ينزع عن الناس حقّها الأدنى، في تحميل الوزير مسؤولية عدم تأمين الكهرباء، ولا يحقّ لأحد منع الناس من الوقوف في وجه سياسات الوزير رفضا لزيادة التعرفة على الكهرباء، لكن يبقى من غير القويم والسليم التعاطي مع أزمة الكهرباء على أنها أزمة آنيّة، ويمكن حلحلتها بعصا سحرية، ليصبح الهجوم مادّة طيّعة في أيدي المنتفعين، وأحد الأسلحة في معركة تراشق واستهداف سياسييَن، لا يزيدان الأزمة الا تعقيدا.

من هذا  الباب، واستجابة الى نداء مهنيتي وأمانتي، يصبح لزاماً عليّ لا بل من واجبي المهني، أن أعبر من الخاص الى العام، وأنقل خلاصة نقاش بين الوزير ووالده الممتعض من زيادة التعرفة على الكهرباء، وما سترخيه من أعباء متزايدة على كاهل اللبنانيين، في وقت كان الوزير فياض، ينصت بصمت وفائض احترام، الى ملاحظات والده، متحيّناً مساحات صمته وإصغائه، ليشرح بالأرقام، والحجّة، سبب الزيادة، وضيق الخيارات المتاحة.

ليس بعيدا منهما، كانت زوجة الدكتور فياض ووالدة الوزير، تقطع حديثها غير المتكلّف عن العادات الكورانية، وعن التّسميات المختلفة للحلويات بين المناطق، وقبل أن تنثر قليل القطر على حبة القطايف، لتعبّر عن انزعاجها وغضبها من الحملة الاعلاميّة العشوائية غير المهنيّة التي تستهدف عمل ابنها، مستغربة من تجرؤ البعض على كيل الاتهامات وفبركتها من دون أيّ مسوّغ، أو دليل، وتسر بقلب أم مطمئن، أنّ “من نور الله في قلبه لا يخشى الظلام، ما دامت يداه غير ملطّخة بالفساد”.

 لا أعتقد، أنّ هناك مساحة للتعرف على جوهر الأشخاص، أفضل من بيئتهم العائلية، حيث تسقط الأقنعة المجتمعيّة، ويكشف التواصل، والتخاطب، الحقيقة الفطريّة للأشخاص لا سيما في التعاطي مع والدين، يتابعان مع ابنهما ادق التفاصيل بحرص وتبادل خبرات، وبعيدا من التقييم المهني لعمل الوزير، الذي يحتاج مقاربات أخرى، ومساحة غير هذه المساحة، وتدقيق ومتابعة، مع الاشارة الى حتى هذه الخطوات والاجراءات لو دعّمت بالوثائق والمستندات، ستبقى محطّ اختلاف وانقسام في بلد، خضع الدستور والقانون فيه، لمعايير وأحكام وجهات النظر. الا انه قد يكون العيب الاكبر، الذي ارتكبه ويرتكبه معالي الوزير، أنه لم يخاطب اللبنانيين، بقناع سياسي إعلاني دعائي، بات بالنسبة لكثيرين، معيار الكفاءة والنجاح ، والاجتذاب الجماهيري، حتى لو لم ينجز مرتديه شيئا، او أنجز لشخصه من جيوب الناس، وعلى حسابهم، حتى باتت ممارسة الطقوس الدينية الخاصة، جريمة يحاسبه بعض الأنانيين عليها.