إبراهيم درويش- العربي المستقل
لا معادلات حسابيّة ثابتة في موضوع الحرب، الأمر مرهون بالمتغيّرات، بانسداد القنوات الدبلوماسيّة، بتقدير خاطئ، برهان غير صائب، بالحسابات الإستراتيجيّة، بأن تصبح المواجهة هي القدر الحتمي في ملف الأمن القومي.
العقلانيّة تصل بنا الى استبعاد فرضيّة أي نشاط عسكري في المنطقة، لكن تقاطع المشهد المحلي-الإقليمي-الدّولي، يجعل خيار الحرب في المنطقة غير مستبعد أبدا، وربما يكون المصبّ الأخير لجملة التراكمات وتسارع الأحداث على بطئها.
تستهوي الجمهور، ردّات الفعل البطوليّة، إنتفاضة البطل في ردة فعل مباغتة، آخرون يواصلون العزف على أطلال القوانين الدولية التي قرأنا عنها ولم نلمسها، في وقت يتحيّن متربصّون الفرصة لتصويب سهامهم على حزب الله، فريق آخر تتحكم الدعاية في مواقفه ومزاج عناصره، يحسب اللاعبون حساباتهم بميزان الذهب، ويضعون على الطاولة، مختلف الخيارات ونتائجها القريبة والبعيدة.
وفي معرض البحث في خيارات الحرب والسلم يصبح لزاما، استعراض مجموعة من العوامل التي تدخل في حساب وقوع الحرب من عدمها:
– الحاجة الغربيّة الى غاز الشرق الأوسط كبديل عن الغاز الروسي.
– ضرورة أن يترافق إستخراج الغاز مع هدوء وإستقرارعسكري وأمني، فمقولة أن رأس المال جبان ليست عبثية، بل هي تدلل على حاجة الاستثمار الى حد كبير من الاستقرار والضمانات، فكيف الحال في منطقة دائمة التوتر، والحرب فيها في استراحة؟
– أنّ الاستقرار الامني والعسكري يتحقق من 3 بوابات:
* مفاوضات وإتفاق على نقاط واضحة وثابتة
* حرب تفرز خاسرا ومنتصرا أو إتفاقا على مجموعة نقاط كان أحد الأطراف يرفض الاتفاق عليها قبل الحرب.
* حالة من الستاتيكو والتوازن العسكري يكفلان عدم الانزلاق الى توتر عسكري غير محسوب، يراعي هوامش الحرب.
بالنسبة الى المفاوضات، فهي لا يمكن إلّا أن ترتكز الى عوامل قوّة لدى فريقي التفاوض والمناورة لكسر الجمود القائم، بما قد يشتملان على الجنوح الى التصعيد.
أما بالنسبة الى الستاتيكو، فلم يعد خافيا أنّه مع متغيّرات التطورات بين روسيا وأوكرانيا والغرب تحديدا، لاحياة لهذا الستاتيكو، وبات العالم يسير على إيقاع مختلف، وفرض الغاز نفسه لاعبا على طاولة المتغيرات، فالحد من قدرة روسيا على التحكم بمسار اللعبة، يقتضي ايجاد مصادر بديلة للغاز.
– تنامي قدرة المحور العسكرية الذي يدرك كيان الاحتلال، انه سيكون جزءا من المواجهة في حال فتحت، والمعضلة الاسرائيلية القائمة، حول مستقبل الصراع مع هذا المحور، الذي يضع شعار إزالة الكيان، عنوانا عريضا لمشروعه.
– معادلة الردع التي أرستها الفصائل الفلسطينية في سيف القدس، وتجنّب الجيش الاسرائيلي الدخول في مواجهة برية مع الفصائل الفلسطينية، لا في مخيّم جنين، ولا في قطاع غزّة.
-العمليات التي تسارعت مؤخرا في أراضي ال 48 المحتلة، وأرست حالة من انعدام الشعور بالامن في الداخل المحتل.
– لعنة العقد الثامن والمخاوف اليهودية على الكيان الاسرائيلي، في العمر ال 74 للكيان.
– فشل كيان الاحتلال، في إحداث متغيّر عسكري منذ عام 2006، يمكنّه من تغيير في قواعد المواجهة مع حزب الله.
– الاستهداف الاسرائيلي المستمر للأراضي السورية، ولا سيما الاستهداف الاخير لمطار دمشق الدولي، بما شكل من تجاوز اسرائيلي كبير للخطوط الحمراء، وشكل محط بحث روسي- سوري.
-الوضع غير المستقر سياسيا داخل كيان الاحتلال الاسرائيلي، في ظل الاشتباك السياسي المتواصل، وتبدل الحكومات.
– الهواجس الاسرائيلية من خواتيم غير محمودة لاتفاق بين الولايات المتحدة وايران، بما قد ينعكس سلبا على الكيان الاسرائيلي، وتقلَص دوره الوظيفي في هذه المنطقة.
– أهمية الغاز بالنسبة للبنان، في ظل الإنهيار الاقتصادي الحالي، والذي يعتبر بوابة خلاص لإنقاذ ما تبقى من هذا البلد، وما يمنحه من قوة فرض شروط خارجية تتعلق بخياراته، واستقلالية خياراته، بما لا ينفصل عن الاهمية الاستراتيجة المرتبطة بالحاجة الاوروبية الى هذا الغاز، في منطقة غير متوترة.
الإنهيار الاقتصادي في لبنان، وتشظّي المواقف السياسيّة، والرهان على الإستفادة من الأوراق الداخليّة في ضد الخيارات المناوئة للمشروع الاميركي الاسرائيلي.
– الدور الروسي في المنطقة، ومدى مصلحة روسيا في استخراج غاز المتوسط مع علمها بأن الهدف من وضعه على نار حامية ليشكل بديلا عن غازها، الى اوروبا، وخسارتها واحة من اهم اوراقها الضاغطة.
ما ورد اعلاه عوامل متداخلة متشاكبة، ومتتناقضة، قد تدفع بالحرب بعيدا، وقد تجعلها قاب قوسين أو أدنى، مع الإشارة الى ان المعلومات الأمنية والعسكرية، سجلت ومنذ وصول باخر التنقيب ENERGEAN POWER، مستوى متقدّم من الجهوزية.
خلاصة الامر، ان في النزاع لا مسار محدد، حتى بين أكثر المتخاصمين حكمة، وما الذي شهدناه امس من طائرات مسيرة، الا واحدة من سلسلة اوراق الضغط، والتي من شأنها ان تلقي حجرا في المياه الراكدة، لتحرّك الموقف الرسمي اللبناني، بعد الزيارة الأخيرة للوسيط الاميركي الاسرائيلي عاموس هوكشتاين، والذي جاء لغرض واحد وهو معرفة مدى جديّة تهديدات حزب الله لباخرة التنقيب، والموقف اللبناني الرسمي منه.