إبراهيم درويش- العربي المستقل
لا يمكن العبورعلى تاريخ 17 تشرين الاول 2019 من دون أن تلمع في العين بارقة أمل لتوحّد اللبنانيين حول مطالب إقتصاديّة، إجتماعيّة، حقوقيّة مشتركة.
تاريخ كان كفيلاً بدغدغة المشاعر، ولو لأشهر، لأيام، وحتى لساعات، ليعيد النبض الى الإتّحادات والنقابات، الى ساحات التظاهرات، حين كان صوت الشعب عاليا، وكانت بيروت تحديدا، عاصمة التحرّكات والحريّات، ومركز التعبير، وملجأ الباحثين عن مساحات حريّة، وواحت تعبيرعن الرأي والمعتقد.
على تنوّع إنتماءاتهم، خرج النّاس الى الساحات، بعد أن ضاقوا ذرعا من سياسات الفساد والتحاصص، من السرقات، من الهدر، والإهمال، من تحوّل الدولة الى جلاد متفنن، الى قاتل موهوب، كانت ريح التغيير قادرة على دغدغة آمال الشباب، ومحاكاة آمال المقهورين المسحوقين، ممن أفنوا عمرهم، في بلد، يواصل استنزافهم مع كل إشراقة شمس.
بعد ثلاث سنوات من عمر “الحراك” أو “الثورة”، وعلى مشارف أيام من الإنتخابات ليست التّسمية بالأمر الهام، أمام السؤال الأهم: ما هو برنامج من مفترض أنّهم خرجوا في وجه السياسات العرجاء ككتلة، لا كمرشحين أفراد، ولماذا أخفقوا في التوصّل الى بلورة رؤية مشتركة؟ فهل يعقل لم ينجح 10 في المئة ممّن هم خارج المنظومة السياسيّة في الإجتماع حول عناوين عريضة تجمع ولا تفرّق، وفشلوا في رسم خارطة طريق لمقاربة مختلفة عن الأداء السياسي القائم؟.
ما حصل مع وزير الطاقة وليد فياض تفصيل في المشهد الأوسع الذي تحالف فيه “ثوريون” مع رموز صريحة للفساد، وفشلوا في البحث عن قواسم مشتركة، يصعب على أي مكوّن كسرها، أو التصويب على مشروعها، فيوم كنا ننادي بتجزئة الملفات بما لا يحوّلها مجرد شعارات في غيوم لا تمطر، كالضغط على القضاء مثلا، كان العفن السياسي يؤطّر الحراك ويقضمه ويجرّه الى ملعبه الوسخ، يوم سرق أصحاب المال والنافذون على الارض والميديا الحراك، ومنعوه من أن يتحرّر فيتكتّل، فتكون أولى الأولويات، الضغط نحو قانون انتخابي عصري، لا يهدر أصوات المقترعين، ولا يسجن المرشحين في دوائر معلّبة.
كان الحد الأدنى المطلوب، أن ينبثق عن هذه الثورة، كتلة شعبيّة، كتلة نخبويّة، تتّفق على هوامش عريضة، تراكم المكتسبات، وتشكل قوّة ضاغطة، باتجاه التغيير، أو في الحد الأدنى التصحيح والمساءلة، لكنّ الأغلب الأعم تشرذموا وتخندقوا، وأصبحوا نسخة هجينة عن المكوّنات السياسية القائمة، قد ينجح بعضها في حجز مكان له في التركيبة السياسية الحاكمة المتحاصصة، أما القلّة القليلة التي رمت بأملها في ساحات الرفض، فلا زالت بلا صوت، وإن ارتفع فهو لا زال، أمام قدامى اللصوص، والجديدين المتعطّشين، بلا صدى.
ختاما، شكا المعترضون على الأرض من بطش الأجهزة الأمنية، أما أن يتصدّر المشهد هواة الإستعراض،ممن يتوقون استكمال ضرب القيم والقوانين بعرض الحائط ويقومون هم بتحديد المعايير، وفقا لانتماءاتهم السياسية وأهوائهم الخاصة، فيفتحون الطريق أمام زعيم، ويتجاهلون ارتكابات زعيم آخر، ويعتدون بالضرب، على من يخالفهم، وكأننا في محاكمات عرفية، ينفذها من يملك القدرة، ويفقتقد للروادع، فهي الفوضى، والخراب، وإمتداد للأداء السلطوي، في تسخير المال والأمن والقضاء في خدمة مصالحهم، وهذا كله سيسهم بشكل صريح، في التفاف الجمهور حول احزابهم، بعدما ساهمت ندرة الخيارات، وتعذر تقديم البدائل، وغياب المشاريع القادرة على الاقناع، في توفير مادة سلسة بيد الفشلة، واللصوص، لاعادة احياء مشاريعهم.