الجمهورية: القضاء في مهبّ الانقسام… والأزمة ‏مع الرياض تنتظر خطوات

كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : إنصبّت الاهتمامات الداخلية على زيارة وزير خارجية دولة الامارات ‏العربية المتحدة عبدالله بن زايد لدمشق، في خطوة رأى فيها البعض ‏تدشيناً لعودة العرب الى سوريا وعودة سوريا الى جامعة الدول ‏العربية بعد قطيعة دامت 10 اعوام، فيما تراجع الاهتمام بالازمة ‏الناشئة بين لبنان والمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج ‏لعدم توافر الحل المطلوب، فلبنان لم يتقدم بخطوة في اتجاه ‏الرياض ولا المملكة تزحزحت عن موقفها ما جعل الازمة في مراوحة ‏على وَقع تفاقم حال الانهيار التي يعيشها لبنان على كل المستويات، ‏وكان جديدها ما بدأت السلطة القضائية تشهده من انقسام يهدد ‏وحدتها بما قد يُلحقها ببقية السلطة المنقسمة او المأزومة…‏
أمِلت مصادر سياسية عبر “الجمهورية” في أن يتأثر لبنان إيجابا ‏بالتقارب السوري – الإماراتي الذي عكسته زيارة وزير الخارجية ‏الإماراتي الى دمشق، “علماً ان أبوظبي لم تذهب اساسا في إجراءاتها ‏الأخيرة ضد بيروت الى الحدود التي وصلت اليها المملكة العربية ‏السعودية”.‏

كذلك، أمِلت هذه المصادر في أن تؤدي مصر دورا في التخفيف من ‏وطأة الازمة بين لبنان والسعودية، معتبرة ان القاهرة هي الآن في ‏موقع إقليمي مريح يمنحها القدرة اكثر من غيرها على تأدية مثل هذا ‏الدور، “مع الاخذ في الحسبان ان زيارة الامين العام المساعد لجامعة ‏الدول العربية حسام زكي لبيروت لن تخلو من رمزية الحضور ‏المصري”.
لكن نُقل عن مرجع روحي في المقابل تخوّفه من ان تتخذ الرياض ‏تدابير تصعيدية أخرى ما لم تبادر الدولة الى سحب فتيل الازمة، مع ‏تأكيده في الوقت نفسه ان لا مفر في نهاية المطاف من تصويب ‏العلاقة مع المملكة ورجوع سفيرها وليد البخاري الى بيروت مهما ‏طالت القطيعة الدبلوماسية.
وقد غرّد البخاري على حسابه عبر “تويتر”، كاتباً: “رائعةُ مونتسكيو من ‏كتابِ روحِ القوانين وخُلاصةِ تأمُّلاتِه، القانونُ يَجِبْ أنْ يكونَ مِثْلَ الموتِ ‏الّذي لا يَسْتَثْنِي أحداً”.‏

لا جديد بعد
في غضون ذلك، ومع استمرار تفاقم الازمات السياسية والاقتصادية ‏والمالية والمعيشية والتي زادتها الازمة مع السعودية تفاقما، أبدت ‏مصادر سياسية خشيتها من ان تكون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قد ‏تحولت بحكم الأمر الواقع حكومة تصريف أعمال من دون أن تكون ‏مستقيلة، وذلك بفعل تعذّر عودتها الى الانعقاد حتى الآن ‏والاستعاضة عن ذلك باللجان الوزارية.‏

وقالت هذه المصادر لـ”الجمهورية” ان المشاورات مستمرة بعيدا من ‏الاضواء لإيجاد مخارج تسمح بمعاودة التئام مجلس الوزراء، لكن لا ‏نتائج حاسمة بعد على رغم حرص كل الأطراف على عدم انفراط عقد ‏الحكومة في هذه المرحلة، كلٌ لأسبابه واعتباراته، فيما علم ان وزيراً ‏استفسر من مرجعيته السياسية عما اذا كانت هناك حلحلة قريبة ‏تسمح لمجلس الوزراء باستئناف جلساته، فأجابه: “ما في شي جديد ‏لهلّق”.
وفي هذه الاجواء، وعلى وقع ما جرى في قصر العدل أمس من تبادل ‏للشكاوى للرد وكَف اليد، والتي شملت عددا كبيرا من القضاة، ساد ‏الجمود معظم المواقع الرسمية على المستويات السياسية والادارة ‏وانصرفت لمتابعة ما يجري في قصر العدل.
وعليه، فقد تجمدت المساعي المبذولة من أجل استئناف جلسات ‏مجلس الوزراء التي تشكل حاجة ماسة من أجل البت بعدد كبير من ‏الملفات والقضايا، لا سيما منها تلك المتصلة بالمفاوضات المقبلة ‏مع صندوق النقد الدولي وبعض الإجراءات الخاصة بمعالجة الأوضاع ‏الإدارية والنقدية وما يعانيه قطاع الطاقة الكهربائية في ظل السعي ‏الى زيادة ساعات التغذية ومتابعة الإجراءات الإدارية والمالية والتقنية ‏المتصلة باستجرار الغاز من مصر والطاقة الكهربائية الإضافية من ‏الاردن، وهو ما انشغَلَ به ميقاتي امس مع الوزراء المعنيين وممثلين ‏عن البنك الدولي الذي يدرس ممثلوه سبل تمويل البرامج والخطوات ‏المقررة على هذا الصعيد بالتعاون والتنسيق مع الأطراف الثلاثة ‏المصري والأردني والسوري.
وفي غضون ذلك ساد جو من الانتظار لِما ستؤول اليه المساعي ‏المبذولة على أكثر من صعيد، وتتبع رئيس الجمهورية ما شهده قصر ‏العدل من مواجهات قضائية متبادلة بين الجسمين القضائي ‏والقانوني من أجل تقييم الوضع في ضوء المواقف التي زَكّت منها ‏المواقف السياسية الحادة من جانب النواب والوزراء السابقين ‏المعترضين على إجراءات المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ ‏القاضي طارق البيطار بغية التوصّل إلى كف يده نهائياً عن القضية ‏من جهة، والساعين الى ضمان استكمال مهمة البيطار من حيث ما ‏وصل اليه.‏

‏”مين اللي فتح الردّة؟”
وبَدا من التطورات على هذا الصعيد ان السؤال في قضية انفجار ‏المرفأ لم يعد “مين اللي فتح الردّة؟” بل اصبح كيف ستنتهي هذه ‏الردّة التي أدخلت في دوامتها قصر العدل، وقد رسَت بورصة الطلبات ‏ورد الطلبات وكف اليد عند المحكمة التمييزية من خلال طلب كف ‏اليد الذي تقدم به الوزير السابق يوسف فنيانوس الى المحكمة ‏التنفيذية في انتظار ان يكلف رئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل ‏عبود القاضي الذي سيبتّ بها، والمرجّح ان يكون القاضي رندا كفوري. ‏وعلمت “الجمهورية” أنه فور تسمية كفوري مجددا سيتقدم فنيانوس ‏مجدداً بطلب كف يدها.
واكدت مصادر الثنائي الشيعي لـ”الجمهورية” ان “حامل هذه ‏المعركة، والذي اصبح وجهه مكشوفاً، سيظل يستثمر فيها من الآن ‏وحتى الانتخابات النيابية لتوظيفها في السياسة وإحداث تغيير من ‏خلالها. وهذا ما لن نسمح به، تقول المصادر، علماً أن الخاسر الأوحد ‏هو الحقيقة في جريمة المرفأ التي لم يتحدث احد عن فصولها، وانتقل ‏النقاش الى البحث عن مسؤوليات ادارية شكلية في غياب كل ما ‏يتعلق بأساس القضية، وهذا ربما ما يريده “أولياء القاضي البيطار”، ‏بحسب قول المصادر نفسها.
وعن دخول رئيس مجلس القضاء الاعلى مباشرة في هذه المعركة، ‏قالت المصادر نفسها: هذا سيؤدي الى مزيد من التصدّع في عمل ‏مجلس القضاء الاعلى، وبما يعكس طبيعة الانقسامات الحاصلة في ‏البلد وعرّابيها الداخليين والخارجيين علماً ان نهاية هذه المعمعة ‏واضحة، لكنّ المهم ان نصل اليها قبل فوات الاوان، وهي العودة الى ‏النصوص الدستورية والقانونية”.‏

حسم الجدل
وكان الجدل القانوني قد حُسم أمس حول آلية النظر في ملف إنفجار ‏مرفأ بيروت وكف يد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، بعدما ‏تبلّغ رئيس الغرفة 12 في محكمة الاستئناف المدنية القاضي حبيب ‏مزهر، في حضور الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف في بيروت القاضي ‏حبيب رزق الله، إجراءات طلب رده عن النظر في ملف تفجير المرفأ ‏وكف يده عن ملف البيطار، وذلك بعد توتر وسجال حاد حصل في ‏أروقة محكمة الإستئناف بين قضاتها في مكتب القاضي مزهر جرّاء ‏رفض الأخير تبلّغه.
وفي هذا الإطار، حضر المحقق العدلي طارق البيطار الى مكتبه أمس ‏في العدلية من اجل ضم دعوى طلب الرد التي تبلغها من القاضي ‏مزهر الى ملف التحقيق، وهو ملتزم بمضمونها الى ان يصدر قرار ‏قضائي يلغي مفاعيلها.
الى ذلك، لم يعقد البيطار جلسة لاستجواب وزير الاشغال العامة ‏والنقل السابق النائب غازي زعيتر، علماً أن مطالعة النيابة العامة ‏التمييزية في خصوص الدفوع الشكلية المقدمة من زعيتر لم تصله ‏بعد، وبالتالي لا يزال يعتبر أن يده كفّت عن ملف تفجير المرفأ.
وفي سياق متصل، تقدم وكيل الدفاع عن زعيتر والنائب علي حسن ‏خليل المحامي محمد زعيتر بشكوى أمام هيئة التفتيش القضائي في ‏حق القضاة ناجي عيد وروزين غنطوس وجانيت حنا وجوزف عجاقة ‏ونويل كرباج.‏

ودخل أمس عدد من النساء الأعضاء في مجموعة “ن” النسائية إلى ‏قصر العدل، حيث تواجهن مع القاضي مزهر، بعد قيامهنّ بختم مكتبه ‏بالشمع الاحمر وتعليق منشورات كتب عليها “باي باي حبيب مزهر” ‏و”‏one way ticket‏” و”أد ما تهربوا المشانق رح تتعلّق”، وذلك احتجاجاً ‏على ممارساته في ما يتعلق بقضية انفجار مرفأ بيروت واعتراضاً على ‏ما سَمّينَه “جريمة نفّذها القاضي في حق شهداء المرفأ والعدالة”، بعد ‏إصداره قراراً بضم طلب رد القاضي البيطار مع ملف القاضي نسيب ‏إيليا. واعتبرن أنّ “هذا القرار تعسفيّ ومشبوه، وفيه تخطّ لصلاحياته ‏وارتكاب جريمة تزوير معنوي ومحاولة كشف تحقيقات سرية”.‏

مواقف
وعلى صعيد جديد المواقف السياسية من التطورات الجارية، شدد ‏تكتل “لبنان القوي” في اجتماعه الدوري الكترونياً برئاسة النائب جبران ‏باسيل، على “ضرورة أن تستعيد الحكومة اجتماعاتها سريعا إنطلاقا ‏من مبدأ الفصل بين السلطات”، معتبراً ان “التعطيل الحاصل على ‏خلفية التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت بات في حد ذاته جريمة ‏موصوفة في حق اللبنانيين لا مبرر لها على الإطلاق، خصوصا أن لا ‏رابط بين عدم التئام الحكومة وأسباب تعطيلها”. وحَمّل “السلطتين ‏التنفيذية والتشريعية مسؤولية التعثر في تأمين المظلة الإجتماعية، ‏فالحكومة مسؤولة عن التقصير الحاصل في إطلاق البطاقة ‏التمويلية، فيما مجلس النواب مطالب بإقرار عاجل لاقتراح قانون دعم ‏شبكة الأمان الإجتماعي ولاقتراح قانون المساعدة الإجتماعية ‏للموظفين”.‏

وإذ أكد التكتل دعمه “جهود الحكومة لإقرار خطة التعافي الحكومي”، ‏أشاد بـ”إعلان رئيسها عن قدرتها على توحيد الأرقام في ملف التفاوض ‏مع صندوق النقد الدولي”، ورأى فيها “مؤشرا إيجابيا لتسريع عملية ‏التفاوض”. ودعا “الكتل النيابية الى وضع هذه المسألة الإستراتيجية ‏فوق التجاذبات السياسية توصّلاً الى الخواتيم المرجوة”. وحضّ على ‏‏”الإسراع في مسار التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان باعتباره ‏لازماً للاصلاح ومدخلاً لمكافحة الفساد”.‏

جنبلاط الى الرياض
وفيما علمت “الجمهورية” انه ينوي زيارة الرياض قريباً، قال رئيس ‏الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في حديث مُتلفز: “انتظرنا ‏سنة كي تشكل الحكومة، ووصلنا إلى هذه الحكومة التي سرعان ما ‏عطلت نتيجة تصريح “سخيف” لوزير غير مسؤول”. واعتبر أنّ ‏‏”قرداحي مرتبط بالمنظومة. منظومة الممانعة، وميقاتي لا يستطيع ‏أن يأمره، فنحن لدينا نظام ديموقراطي لكن مكبّهل بما يسمّى ‏الظروف السياسية”.
وعندما سئل جنبلاط عن احتمال وجود نيات سعودية لمحاصرة لبنان ‏اقتصادياً بهدف “إزهاق روح حزب الله”، أجاب: “لم أسمع بهذه ‏النظرية من قبل، هذه نظرية غريبة عجيبة!”. وتساءل: “هل يستطيع ‏الحزب أن يقدم للبنانيين ما تقدمه السعودية؟ هل نترك السعودية ‏ونتوجه إلى العراق بطائراته المسيرة؟ أو نذهب ونعيش في إيران؟ لا. ‏هناك واقع موضوعي، ونطلب من “حزب الله” الحد الأدنى من احترام ‏مصالح اللبنانيين في الخليج كي لا يدمّر لبنان نهائياً”. كما شدد على ‏‏”وجوب توقف الهجوم على السعودية”، وقال: “لنعد إلى الداخل”.‏

وعن العروض الإيرانية لبناء معامل كهرباء في لبنان، قال جنبلاط: ‏‏”أهلا وسهلا بمحطة كهرباء من صنع إيراني، وأهلا وسهلا بمحطة ‏نووية من صنع إيراني. لا أمانع أبداً… “إلحق الكذاب على باب الدار”.
ولدى سؤاله إذا كانت سوريا تتحكم بالقرارات السياسية في لبنان؟ ‏نفى هذا الأمر مؤكّدا أنّ “حزب الله” هو من يتحكّم بمقدار كبير في ‏القرارات السياسية في لبنان”.‏

قبلان يرد
وفي رد غير مباشر على جنبلاط، اكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ ‏أحمد قبلان في بيان أمس “أننا لن نقبل بعد اليوم هذا النوع الخبيث ‏من تحليل دم طائفة بأمها وأبيها عن طريق النيل من حركة “أمل” ‏و”حزب الله”، بهدف تقديم أوراق اعتماد ببصمة الدم لهذه العاصمة ‏وتلك. وهنا أقول: إذا كان لبنان محتلاً فهو من المجموعات الأميركية ‏وجوقة رخيصة جدا من السياسيين والإعلاميين الممسوكين بحبل ‏الدولار ونفايات النفط”. واضاف: “مَن خرّب بيوت اللبنانيين هو من ‏هجّر وقاد مجموعات الذبح والهدم والتطهير الطائفي، لا من حَرّر وقاد ‏أكبر ملحمة نصر في لبنان والمنطقة. والمطلوب وأد الفتنة لأن الفتنة ‏إذا اشتعلت هذه المرة ستحرق كل لبنان، وكفانا بَيعاً لهذا البلد بثمن ‏بَخس من براميل النفط وحقائب الدولار. ونصيحتي: ما تحرقوا البلد ‏بالدفعة والفاتورة، لأنّ لبنان أكبر من أن يتحول فيدرالية أو متصرفية ‏لأحد، والشاطر من يفهم التاريخ لا من ينتحر مجدداً”.‏