كتبت صحيفة ” النهار ” تقول : “تتناسل” الأزمات الداخلية بكل أصولها وجذورها وتفرغاتها على نحو ينطبق عليه المثل العامي ان لبنان “لا ينام على همّ عتيق”. ففيما يشتد الإنسداد، او الاستعصاء بالأحرى، الذي يحاصر ازمة الحكومة المشلولة منذ اقل من شهر بقليل، لا تبدو أي ملامح حلحلة او تبريد او خفض للتوتر في الازمة العاصفة بين لبنان والدول الخليجية، ولا سيما منها المملكة العربية السعودية، وثبت ذلك بعبثية كل الطروحات التي أثيرت خلال زيارة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي اول من امس لبيروت، والتي لم تفض الى أي نتائج إيجابية ملموسة. اما جديد الأزمات في الجانب الأشد وقعاً على المشهد الداخلي في الأيام الأخيرة فيتمثل في تطورين: الأول هو واقع صادم بدأ يصدره قصر العدل في بيروت في يومياته الأخيرة وينذر بأسوأ العواقب التي تصيب هيبة #القضاء وسمعته وواقعه امام معالم الارباكات والمشاحنات والحروب السياسية بالواسطة التي تسعى الى استباحة السلطة القضائية وتسخيرها في الصراعات والحسابات السياسية. والثاني هو “نقزة” تولّدت في ملف الاستعدادات للانتخابات النيابية من خلال مراسلة رسمية أولى من نوعها من وزارة الخارجية الى وزارة الداخلية تتعلق بضغط المهل المعدلة بالنسبة الى اقتراع المنتشرين والمغتربين بما يلزم تمديد هذه المهل.
بداية مع الواقع المأزوم في ملف القضاء انطلاقاً من تطورات التحقيق العدلي في ملف انفجار #مرفأ بيروت، تفاقمت أمس وفي الساعات الأخيرة الصورة الصادمة عن الفوضى التي بدأت تطبع مجمل الإجراءات الجارية والمتشابكة على نحو غير مسبوق في أي ملف قضائي عدلي او غير عدلي الامر الذي بات يهدد فعلاً بتداعيات بالغة السلبية على القضاء بكل ما يعنيه ذلك من خطورة فادحة.
وفي هذا السياق تترقب الأوساط الحقوقية والقانونية بقلق كبير الإجراءات والسلوكيات التي يفترض ان تتخذ لإعادة وضع مجمل ملف التحقيق العدلي في انفجار المرفأ على السكة الواضحة ومنع التوغل أكثر نحو توسيع الفوضى القائمة التي بدأت تنال من صدقية التحقيق ومن كل الجسم القضائي. وكان حضر أمس المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار إلى العدلية بهدف عقد جلسة الاستماع إلى الوزير السابق النائب غازي زعيتر لكن مطالعة الدفوع الشكلية التي تقدم بها زعيتر لم تكن قد وصلته بعد من النيابة العامة التمييزية. وعليه افيد ان البيطار اعتبر أن يده كفت عن الملف، فلم يعقد جلسة استجواب زعيتر. ثم تقدم وكيل الدفاع عن زعيتر والنائب علي حسن خليل بشكوى امام هيئة التفتيش القضائي بحق القضاة ناجي عيد وروزين غنطوس وجانيت حنا وجوزف عجاقة ونويل كرباج. وظهراً، حصل سجال حاد بين قضاة محكمة الاستئناف في مكتب القاضي حبيب مزهر بعد رفضه تبلغه اجراءات طلب ردّه عن النظر بملف تفجير المرفأ. إثر هذه البلبلة، تبلّغ القاضي مزهر طلب ردّه وكفت يده عن ملف البيطار. وكانت مجموعة من النساء الأعضاء في مجموعة “ن” النسائية دخلت صباحا إلى قصر العدل، حيث تواجهن مع رئيس الغرفة 12 في محكمة الاستئناف المدنية، القاضي حبيب مزهر، إثر قيامهنّ بختم مكتبه بالشمع الاحمر وتعليق منشورات منها ما كتب عليها “باي باي حبيب مزهر” احتجاجا على ممارساته في ما يتعلق بقضية انفجار مرفأ بيروت بعد إصداره قراراً بضم طلب رد القاضي البيطار مع ملف القاضي نسيب إيليا. واعتبرن أن “هذا القرار تعسفيّ ومشبوه وفيه تخطّ لصلاحياته وارتكاب جريمة تزوير معنوي ومحاولة كشف تحقيقات سرية”.
جنبلاط مجددا
اما الخلفية السياسية الداخلية فلم تكن اقل سخونة على خلفية العاصفة التي خلفتها الإجراءات الخليجية لمقاطعة لبنان ديبلوماسياً. ولليوم الثاني صعد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط انتقاداته الحادة لـ”حزب الله “. وقال في حديث لـ “روسيا اليوم”: ”انتظرنا سنة كي تشكل الحكومة، ووصلنا إلى هذه الحكومة التي سرعان ما عطلت نتيجة تصريح سخيف لوزير غير مسؤول. لكن في الوقت نفسه، أعتقد أن الرئيس نجيب ميقاتي استطاع أن يضع العجلة على الطريق من أجل بدء التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وهذا جيد”.
ولكن جنبلاط أضاف قائلا” كنت أتمنى على الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، السيدة زخاروفا، أن لا تبرر أن تصريح وزير الإعلام جورج قرداحي هو تصريح قديم. بالمضمون لبنان مرتبط بعلاقات سياسية اقتصادية منذ عقود مع الخليج العربي، وهناك مئات الآلاف من اللبنانيين في الخليج العربي يعيشون هناك، ويرسلون الأموال إلى لبنان. أين يذهبون؟ فالخليج أساسي، يصدر تصريح غير مسؤول، ويدين حرب اليمن. وما علاقة لبنان في حرب اليمن؟ ثم تصدر تصريحات من قبل بعض المسؤولين في “حزب الله” تؤيد هذا التصريح اللامسؤول. لا نستطيع أن نتحمل حرب الآخرين على أرضنا. هذا رأي، ولذلك يجب معالجة هذا الموضوع بشكل أن يستقيل هذا الوزير كي نستطيع أن نتنفس”.
واعتبر أنّ الوزير قرداحي “يستند إلى “حزب الله” وتيار “المردة” اللذين هما جبهة. المردة والتيار الوطني الحر وحزب الله، هم جبهة واحدة. لكن موضوعيا، أين يذهب اللبنانيون في الخليج، إلى أي محطة؟ إلى إيران، أو العراق؟ ليس هناك من موارد في هذه البلاد التي تعاني من مشاكل اقتصادية هائلة. تاريخيا نحن مع الخليج. على الأقل أفضل أن لا نشتم الخليج كي نبقى هناك ويأتينا هذا الدعم من عرق جبين اللبنانيين هناك إلى أن نحسن أوضاعنا في لبنان”. واشار الى انّ “السيد قرداحي مرتبط بالمنظومة. منظومة الممانعة، ميقاتي لا يستطيع أن يأمره، ونحن لدينا نظام ديموقراطي لكن مكبل بما يسمى الظروف السياسية وهناك في الوقت نفسه، الإخوان في الحزب لا يقدرون مصالح لبنان في الخليج، ونظريتهم مختلفة. هم يقودون حرباً في اليمن بالواسطة، أو بشكل مباشر، ولا يكترثون لمصالح اللبنانيين في الخليج”.
رسالة وزير الخارجية
في غضون ذلك برز على خط الملف الانتخابي تطور مثير للقلق تمثل في ارسال وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب كتاباً إلى وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي يبلغه من خلاله عدم إمكان الإلتزام بالمهل القانونية المعدّلة لانتخابات غير المقيمين بموجب القانون، بسبب المهل الضيّقة وتدقيق طلبات التسجيل بعد إقفال باب التسجيل وإرسالها إلى وزارة الداخلية بواسطة الخارجية. وكان وزير الداخلية أعلن أمس، خلال منتدى الانتخابات، أن الوزارة بدأت بالإجراءات التحضيرية للانتخابات النيابية. وتضمنت رسالة بو حبيب عرضاً مفنداً تفصيلياً للأسباب التي تؤكد ان لا امكان لاجراء الانتخابات خارج الأراضي اللبنانية وفق المهل المعدلة ومن أبرزها استحالة الانتهاء من التدقيق في طلبات التسجيل للاقتراع والموافقة عليها من قبل البعثات اللبنانية في الخارج وإرسالها الى وزارة الخارجية ومن ثم الى وزارة الداخلية في فترة قصيرة جدا بين 20 تشرين الثاني والأول من كانون الأول. وأشارت الى معاناة البعثات من قلة عدد الموظفين كما لفتت الى تعديل مهلة نشر وتنقيح القوائم الأولية لمن تسجلوا وإرسالها الى الداخلية بحيث أصبحت بين 15 كانون الأول والأول من كانون الثاني المقبل وهي فترة أعياد ومعظم المغتربين يسافرون خارج بلدان إقاماتهم. كما اشارت الى أسباب عدة أخرى وخلصت الى انه تفادياً لاي أسباب قد تؤدي الى عرقلة عملية اقتراع اللبنانيين غير المقيمين وإقصاء عدد كبير لحقوقهم وتلافياً لاي طعون في عملية الاقتراع أرسلت الخارجية هذا الكتاب لبيان الموقف لناحية عدم امكان الالتزام بالمهل المعدلة.