دوامة جديدة ستدخل بها الحكومة بمجرد أن “تطأ قدمها” أرض تصحيح الأجور. فالتسليم بحتمية زيادة الأجور في القطاعين العام والخاص، يقابله عشوائية في “كب” الأرقام، ومحاولات البعض تحقيق الكسب السياسي على أكتاف أكثر الناس حاجة. وهذا هو المسار الذي سلكته الزيادات في السنوات العشر الأخيرة من دون أن تحقق الأثر الإيجابي المرجو.
في 18 كانون الثاني من العام 2012 وبعد سنوات من المطالبة بتصحيح الأجور، حددت الحكومة الحد الأدنى الرسمي للأجر الشهري بـ675 ألف ليرة. وأعطت زيادة غلاء معيشة بنسبة 100 في المئة على الشطر الاول حتى 400 ألف ليرة، و9 في المئة على الشطر الثاني الذي يزيد عن 400 ألف. وبعد 5 سنوات من “السُّبات” وإهمال التصحيح السنوي المتدرج، إستفاقت السلطة السياسية على صرخات وإضرابات هيئة التنسيق النقابية، فأقر البرلمان بتاريخ 18/7/2017، سلسلة الرتب والرواتب، وعاد المعنيون لـ”يغطوا” في نوم عميق.
لجنة المؤشر والبداية
“مع تشكيل حكومة “معاً للانقاذ”، سارعت وزارة العمل لـ”تُصحّي” لجنة المؤشر التي تجمع الدولة، أرباب العمل والعمّال. فاستفاقت “اللجنة” على كابوس مطالبة العمال برفع الحد الأدنى للأجور إلى 7 ملايين ليرة. وهو الأمر الذي من شأنه أنّ لا “يطيّر” المفاوضات ويعقدها فحسب، إنما أن يودي بالبلد إلى الخراب”، بحسب الخبير في شؤون الدراسات الإحصائية والاقتصادية، ومدير كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية سابقاً الدكتور بشارة حنا. ذلك أن الأرقام التي ينطلقون منها في تحديد نسب الغلاء وارتفاع الأسعار، والتي على أساسها تبنى نسب الزيادة على الأجور، غير واقعية، ومبنية على معلومات خاطئة وظروف آنية من المفروض أن تتغير في المستقبل. فالقول إن نسب التضخم لامست 700 في المئة غير دقيق. والمرة الوحيدة في لبنان التي تجاوز فيها مؤشر الأسعار 700 في المئة كان في عام 1987، حيث ارتفع المؤشر 731 في المئة. أما اليوم وبحسب أرقام إدارة الإحصاء المركزي ورغم كل التحفظات على كيفية احتساب المؤشر وطريقة التثقيل التي تعتمدها، فان الاحتساب متدنّ، إنما لم يصل على مجمل قوائم الاستهلاك إلى أكثر من 400 في المئة. الأمر الذي يسمح بالتصحيح من اليوم ولغاية نهاية العام القادم بمعدل 150 إلى 200 في المئة شرط تحقيق الاستقرار السياسي، ويأخذ المجرى الاقتصادي مجراه الطبيعي بشكل ألا نخسر القدرة التنافسية.
المعادلة الدقيقة
المعادلة اليوم بين ارتفاع الأسعار وزيادة الأجور حساسة إلى درجة لم تعد تحتمل معها “التشاطر”، واعتماد مبدأ “خذ وطالب”. فالجميع من دولة وأرباب عمل وعمال على المركب نفسه. ولن يعود ينفع العمال والموظفين الزيادات بالملايين في حال أفلست المؤسسات أو ارتفعت معدلات التضخم وغرق المركب بمن فيه. من هنا يرى حنا أن الزيادة يجب أن تكون تدريجية ومترافقة مع الاصلاحات وتحديداً في قطاع الكهرباء وزيادة الانتاج. وعلى هذا الأساس يجب أن ترتفع نسبة الزيادة على رواتب موظفي القطاع العام بمعدل 30 في المئة لغاية نهاية هذا العام، وبين 50 و70 في المئة في النصف الأول من العام 2022. وعلى هذا الأساس يرتفع الحد الأدنى للأجور إلى مليون هذا العام ويبلغ 1.5 إلى 1.7 مليون لغاية حزيران القادم. وقبل نهاية العام القادم يصل الحد الأدنى إلى المعدل النهائي أو الرقم المنطقي الذي هو بين 2.2 مليون ليرة و2.5 مليون ليرة. وبحسب حنا فان تصحيح الأجور المدروس يؤدي إلى انتعاش اقتصادي، ويكون له مردود إيجابي على القطاع العام. حيث من المفروض أن ينعكس زيادة في الإيرادات بمعدل 5 إلى 6 في المئة، شرط أن تكون هناك نية سياسية لحل هذه المواضع ووقف فوري لعمليات الهدر والفساد التي تتم في القطاع العام.
الزيادة القطاعية في “الخاص”
أما بالنسبة إلى القطاع الخاص فبحسب دراسات وإحصاءات حنا فان “المؤسسات في بعض القطاعات المتعافية كانت تصحح الأجور تلقائياً منذ العام 2018 ولغاية العام 2020. وهو الأمر الذي انعكس زيادة في الانتاجية على صعيد العمال والمؤسسات. واليوم فان القطاعات الخاصة التي تمر في مرحلة تعاف مطالبة بزيادة الأجور. إلا ان الموضوع يتطلب دراسة قطاعية تفصيلية ودقيقة.
إذا كان من المستحيل تعديل الأجور بشكل عادل بالاعتماد على أمور آنية وشاذة مثل ارتفاع كلفة الخدمات من كهرباء وماء ونقل لعدم توفرها، فان تحديد الكلفة الفعلية لهذه الخدمات بناء على دراسات منطقية والزيادة بعد رفع الانتاج في القطاعين العام والخاص، يبقيان المنطلق الاساسي لأي عملية تصحيح مستقبلية.
خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”