لبنان موعود ……….بالدعم

الأزمة الإقتصادية التي “عرّت” لبنان من النقد الصعب، حارمة إياه “رفاه” استيراد فيول الكهرباء، “ألبسته” فرصة جديدة قد تكون لمصلحته في حال أحسن استغلالها. فالافتقار للنقد الصعب لتأمين حاجات معامل الطاقة، أجبره على البحث عن الحلول البديلة، ومنها بشكل اساسي استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية.

على الرغم من الحاجة المتواضعة للغاز المصري والمقدرة بحدود 50 مليون قدم مكعب، لزوم تشغيل معمل دير عمار، فهي تبقى بالغة الأهمية لتأثيرها الإيجابي على 3 عناصر رئيسية: تحقيق الوفر المادي، ضمان الاستمرارية بالامدادات، وتخفيف الضرر البيئي لمعامل الإنتاج الحرارية.

وفر مالي

بحسب أرقام ملخص الوضع المالي لشهر آذار من العام 2021 بلغ الانفاق على الكهرباء 218083 مليار ليرة من أصل مجمل النفقات البالغة مليوناً و417 ألف مليار ليرة. ما يعني أن الإنفاق على الكهرباء في آذار شكّل 15 في المئة من مجموع النفقات، هذا من دون احتساب سلف الخزينة من خارج الموازنة التي تحصل عليها الكهرباء دورياً لشراء الفيول. وفي حال اعتماد الغاز لتشغيل معمل دير عمار الذي ينتج 30 في المئة من الطاقة المولّدة، فان الانفاق على الفيول سيتراجع بما لا يقل عن 130 مليون دولار سنوياً. وهذا الوفر سيتضاعف في حال بناء معمل دير عمار 2 ورفع الطاقة الإنتاجية إلى حدود 1000 ميغاواط.

تكامل عربي

بالاضافة إلى الوفر المالي الذي يمكن تحقيقه وتخفيف الضغط على احتياطيات النقد الصعب عن مصرف لبنان حالياً، والأسواق مستقبلياً، فان المضي قدماً باتفاق التعاون بين كل من مصر، الأردن، سوريا ولبنان “يصيب عصفوري التكامل العربي والمنفعة الاقتصادية للبنان بحجر استجرار الغاز الواحد”، يقول الأستاذ المحاضر في جامعة القديس يوسف والخبير في شؤون النفط والغاز د. شربل سكاف. فهو يؤكد من الناحية الأولى على انتماء لبنان السياسي العربي، وتكامل دوره الاقتصادي مع دول المنطقة. ومن الناحية الاخرى يعزز العلاقة الاقتصادية مع العمق العربي عامة ومصر خاصة، لما تمتلكه الأخيرة من دور محوري على صعيد الطاقة في شرق المتوسط. وبحسب سكاف فان “إنتاج بين 400 إلى 450 ميغاواط من الغاز في دير عمار، يسمح بتخصيص الفيول العراقي إلى بقية المعامل، منها الزهراني والذوق والجية وزيادة إنتاج الكهرباء. سكاف الذي لا يرى أن ليس هناك مشاكل جدية تعيق تنفيذ المشروع في حال توفر الإرادة السياسية، يعتبر أن “هناك مسألتين عالقتين بحاجة إلى حسم النقاش”، وهما: من يدفع ثمن الغاز، والتأكد النهائي من جهوزية خط الغاز العربي. بالنسبة إلى الموضوع الأول هناك نقاش جدي مع البنك الدولي لدراسه إمكانية مساعدة لبنان في تسديد ثمن الغاز. أما في ما يتعلق بجهوزية الخط فان الكشف الذي أجراه الوفد السوري على وصلة لبنان أظهر خلوها من المشاكل وصلاحية الخط. ولا يبقى إلا التأكد من الوصلة التي تمر في سوريا، وإجراء الصيانة عليها حيث يتطلب.

إستجرار الكهرباء

من جهته يرى الباحث الاقتصادي الأردني المتخصص في شؤون النفط والطاقة عامر الشوبكي أن العقبات شكلية، وهي بروتوكولية أكثر منها فعلية. وتتعلق بالاتفاق على رسوم المرور من الجانب السوري والاردني، وثمن الغاز من مصر وكيفية التمويل. وفي حال مساعدة البنك الدولي لبنان على تسديد ثمن الغاز، فان بقية العقبات تذلل سريعاً ومن المفترض أن يصل الغاز إلى معمل دير عمار في ظرف أسابيع قليلة.

أما في ما يتعلق باستجرار الكهرباء مباشرة من الأردن إلى لبنان عبر سوريا فقال الشوبكي إن “الجانب اللبناني لم يطلب إلا 250 ميغاواط. مع العلم أن باستطاعة الأردن تزويده بـ 1000 ميغاواط. ذلك أن انتاج المملكة من الكهرباء يفوق حاجتها بمقدار الضعف. فالاردن ينتج بحدود 6500 ميغاواط/ ساعة فيما الحاجة هي بحدود 3000 ميغاواط. وبرأي الشوبكي “إذا كان العائق فنياً ويتعلق بتقادم الشبكة بين لبنان وسوريا وصغر حجم المحولات، فان هذه المشكلة تعتبر تقنية ويمكن معالجتها بسرعة لكي يستفيد لبنان من كميات أكبر من الكهرباء بسعر مقبول جداً”. فبالمقارنة مع كلفة انتاج الكيلواط ساعة في لبنان البالغة 27 سنتاً فان شراء الكيلواط من الأردن يكلف بين 10 و15 سنتاً على أعلى تقدير. وعليه يبقى استجرار الطاقة أوفر من الناحية المالية على لبنان.

ضمان الاستمرارية هو الأهم

المشكلة الوحيدة التي قد تواجه مستقبلاً استيراد الغاز المصري واستجرار الكهرباء من الأردن هي ضمان الاستمرارية. فلبنان الذي استفاد من تدفق الغاز المصري من العام 2009 إلى 2011 قطعت عنه الامدادات بسبب خلافات سياسية أكثر منها تقنية. وعليه فان ضمان عدم تأثير الخلافات السياسية على إمدادات الطاقة هو أكثر ما يجب تحصينه في المفاوضات بين الجانبين اللبناني والسوري من جهة، وبين الجانب السوري والجانبين الأردني والمصري من الجهة الثانية. وبحسب الشوبكي فان “سوريا بحاجة إلى ضمان أمن خط الغاز في أراضيها. خصوصاً بعد تعرضه من فترة قريبة لعمل تخريبي وتوقفه لبضع ساعات. في حين لم يتعرض الخط في الجانبين المصري والأردني لاعتداء منذ أكثر من 5 سنوات. ومن وجهة نظر الشوبكي فان “وصول الغاز المصري والكهرباء من الأردن قد لا يأخذ كل المهل الزمنية الموضوعة والمقدرة بثلاثة أشهر للغاز، ولغاية نهاية الربع الأول من العام 2022 للكهرباء. وباعتقاده أنه من الممكن جداً حصول لبنان على الغاز والكهرباء قبل نهاية العام الحالي”.

نستطيع الاستنتاج مما تقدم أنه في حال وصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية فان الطاقة الإنتاجية سترتفع فوراً بحدود 700 ميغاواط. وفي حال تزويد بقية المعامل بالفيول العراقي فان مجمل الإنتاج سيرتفع إلى حدود 1700 ميغاواط، تؤمن الكهرباء بين 10 و12 ساعة في اليوم. اما في حال استجرار 1000 ميغاواط من الاردن مباشرة وتوليد 450 من دير عمار على الغاز المصري، وانشاء محطة تغويز في الزهراني وإنتاج 450 ميغاواط، وتشغيل بقية المعامل الحرارية بالطاقة القصوى، أي: 270 ميغاواط من الذوق والجية الجديدان، و 300 ميغاواط من الذوق والجية القديمان، و120 ميغاواط من صور وبعلبك، وصيانة المعامل الكهرومائية التي تنتج 270 ميغاواط، فان مجمل الانتاج سيرتفع إلى حدود 2850 ميغاواط، تؤمن الكهرباء أقله بين 20 و22 ساعة في اليوم. هذا السيناريو المتفائل لن يتم ما لم يتم تعديل التعرفة وضبط الهدر والبدء بالاصلاحات في قطاع الكهرباء تحت مظلة “الهيئة الناظمة”، والتوقف عن طلب السلف التي تستنزف الودائع وتذهب هباء في ظل ارتفاع الهدرين التقني وغير التقني إلى حدود 50 في المئة.