القسم الأكبر من الطبقة السياسية يحاول لفلفة التحقيق في انفجار المرفأ وضربه بشتّى الوسائل

ما زال لبنان يعيش تداعيات زلزال 4 آب الذي دمّر المرفأ وأجزاء كبيرة من العاصمة، مخلّفاً خراباً زادته هولاً بصمة الطبقة السياسية الفاسدة.

يبقى يوم 4 آب مفصلياً، فانفجار المرفأ الذي صُنّف من أكبر الإنفجارات بعد هيروشيما لم يهزّ ضمائر المسؤولين، إذ يحاول القسم الأكبر من الطبقة السياسية لفلفة التحقيق وضربه بشتّى الوسائل.

 

وقد نجحت هذه الطبقة في إقصاء المحقّق العدلي السابق القاضي فادي صوّان بعدما لامس “خطوطاً حمراء”، واليوم تتكرّر المحاولة لضرب تحقيقات القاضي طارق بيطار.

 

وكانت الصدمة الكبرى بأن وقّع تيار “المستقبل” مع “أمل” و”حزب الله” على “عريضة العار”، وهدفها تمييع التحقيق تمهيداً للقضاء عليه.

 

ويتساءل الجميع عن سبب إنغماس الرئيس سعد الحريري بهذه اللعبة، علماً أن عدداً من نوابه الذين وقّعوا على تلك العريضة سحبوا تواقيعهم لاحقاً، فعاد الحريري ليطلّ ويبرّر أمام الرأي العام البيروتي واللبناني الغاضب مسألة العريضة النيابية التي اتخذت طابعاً فئوياً، وقدّم اقتراحاً جديداً وهو رفع الحصانات عن الجميع بدءاً من رئيس الجمهورية.

 

ويصف من يتابع مسار الحريري في قضية المرفأ بأنه غرق في “حفرة وحل” نتيجة مواجهته أهالي الشهداء والجرحى والمتضررين، وكلما حاول الخروج ازداد غرقاً.

 

وفي السياق، تطرح تساؤلات كبرى عن سبب إصرار كل من الحريري والرئيس نبيه برّي والأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله على جعل القضية تأخذ منحىً انقسامياً بينما المسألة هي وطنية بامتياز.

 

لكن اللافت أيضاً أن الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي صرّح قبل تكليفه بساعات أنه لن يسير بعريضة “المستقبل” و”أمل” و”حزب الله”، وبعدما سقطت تلك العريضة بشبهة الطائفية، عاد ميقاتي بعد تكليفه ليؤكد أنه سيوقّع على اقتراح الحريري القاضي برفع الحصانات معتبراً انه والحريري شخص واحد.

 

ويعلم ميقاتي وغيره جيداً أن عريضة الحريري ينطبق عليها المثل القائل “يلي بكبّر الحجر ما بصيب”، وهدفها حرف تحقيقات القاضي بيطار عن مسارها والإلتفاف عليها لا الوصول إلى الحقيقة، وبالتالي سيخلق هذا التوقيع أزمة لميقاتي الذي أكّد فور تكليفه أنه يريد نيل ثقة الشعب، لكنه بدأ بالإضرار بمشاعر المتضررين، وقد يتسبّب بغضب المجتمع الدولي.

 

ويشدّد ميقاتي على أنه مدعوم دولياً، والمجتمع الدولي يدعم التحقيق الذي يجري، فكيف يريد ميقاتي جلب الدعم للبنان بينما يوقّع على “عريضة العار” المعدّلة التي أطلقها الحريري؟ ومن جهة ثانية يُفترض بميقاتي أن يكون رئيس حكومة كل لبنان، فيما أنه بات ركناً في تحالف سياسي يعمل على تطويق التحقيق.

 

وفي حين يُحيي البطريرك الماروني بشارة الراعي ذكرى التفجير بقدّاس في المرفأ، تنكشف نوايا بعض القادة السياسيين الذين يحوّلون هذا الملف إلى جدل فئوي، وهنا تظهر لامبالاة هؤلاء القادة الذين وقّعوا على “عريضة العار” تجاه الحدث، وكأن الإنفجار وقع في بلد آخر، بينما قواعدهم الشعبية متضامنة مع أهالي الضحايا.

 

ولكي يكتمل عقد الالتفاف على التحقيق تُبذل ضغوط للحصول على توقيع كتلة “اللقاء الديموقراطي” على اقتراح الحريري، مع علم الوزير السابق وليد جنبلاط أنه مطلب حقّ يُراد به باطل.

 

يقرأ النائب السابق المحامي صلاح حنين في ما يجري ويشرح لـ”نداء الوطن”: “تنصّ المادة 70 من الدستور على أن الحصانة ترفع عن رئيس الحكومة والوزراء في حال إرتكاب الخيانة العظمى والإخلال بالواجبات، بينما تنص المادة 60 على أن الحصانة ترفع عن رئيس الجمهورية في حال إرتكابه الخيانة العظمى وخرق الدستور وإرتكاب الجرم الجزائي”.

 

ويؤكّد حنين أن “إنفجار المرفأ يعتبر جريمة كبرى وضد الإنسانية إذ إن المرفأ دمّر كما أجزاء كبيرة من العاصمة وسقط أكثر من 200 شهيد و6000 جريح، من هنا تسقط الحصانات حكماً بفعل أكبر إخلال بالواجب، لذلك فإن المحقق العدلي يستطيع إستجواب من يريد من وزراء ورئيس حكومة ولا يمكنه ان ينتظر أخذ إذن او رفع حصانة للمباشرة بعمله”.

 

وأمام استغراب الجميع، يرى حنين “أن إقتراح الحريري هو لزوم ما لا يلزم ولا قيمة له، فالجميع مع رفع الحصانات، لكن هنا أسأل الحريري: لقد ترأست الحكومة ثلاث مرات وحكمت، فلماذا لم تقدم على مثل هكذا خطوة، وما الغاية من هكذا إقتراح؟ ويبدو جلياً ان هناك مخططا لوضع العصي في دواليب التحقيق، ويريدون أن تسقط الحصانة عن رئيس الجمهورية وإلا يعطلون كل شيء، فاذا لم يُعدّل الدستور ويمرّ إقتراح رفع الحصانات وهذا الأمر صعب، هل سيبقى الجميع متمرّداً على القانون ولا يخضع للتحقيق؟ فهذه جريمة بحقّ الوطن وأهل الشهداء”.

 

ويشدّد حنين على أن إعراب رئيس الجمهورية عن استعداده للإدلاء بإفادته أو إستماع المحقق العدلي له هو بادرة خير ويعني أنّه تخلّى عن حصانته، لكن حتى لو لم يفعل ذلك على كل متهم أو شاهد أن يحضر إلى التحقيق ولا يربط هذا الأمر برفع الحصانة عن رئيس الجمهورية لأن الدستور يقرّ حصانته وأي تعديل دستوري في هذا الظرف سيخلق إصطفافات ويأخذ البلد إلى مشكل كبير يضرب التحقيق.

ألان سركيس في “نداء الوطن”