تتصاعد وتيرة الأزمة المالية في لبنان، متسببة في شح حاد في المواد الأساسية، لا سيما المحروقات والدواء، إثر عدم قدرة مصرف لبنان على الاستمرار في دعم استيراد هذه المواد، في وقت لم تستطع فيه الحكومة اللبنانية حتى اللحظة إقرار خطة ترشيد للدعم أو إيجاد مصدر تمويل لقانون البطاقة التمويلية الذي أقره مجلس النواب مؤخراً، الأمر الذي أعاد الحديث عن التصرف بأموال الاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية في مصرف لبنان، وسط رفض بعض القوى السياسية، ومنها حزب «القوات» الذي تقدم نوابه باقتراح قانون معجل مكرر بتعديل قانون النقد والتسليف لعدم المس بالاحتياطي الإلزامي بعد تحديده.
ويرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أنه قبل الحديث عن إمكانية التصرف بالاحتياطي الإلزامي من عدمه، وجدوى هذا الأمر، لا بد من معرفة حجم هذا الاحتياطي الذي لم يعلن عنه مصرف لبنان يوماً، مشيراً في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أن التقديرات تتحدث عن 15 مليار دولار، وذلك انطلاقاً من أن الاحتياطي الإلزامي هو عبارة عن 15 في المائة من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية في المصارف المودعة في مصرف لبنان، تبعاً لتعميم له صدر عام 2001 بهدف حماية جزء من هذه الودائع.
وفي حين يلفت أبو سليمان إلى أن الودائع كانت تقدر قبل الأزمة بـ140 مليار دولار، واليوم باتت بحدود 107 مليارات، يشير إلى أن الاحتياطي المتوافر قد لا يكون نقداً، بل أدوات مالية موظفة، إذ إن هناك تعميماً يجيز أن تكون نسبة تصل إلى الـ90 في المائة من الاحتياطي الإلزامي سندات خزينة وقروضاً.
وانطلاقاً مما تقدم، يسأل أبو سليمان إن كان عدم توافر الاحتياطي نقداً هو السبب لعدم فتح مصرف لبنان اعتمادات لاستيراد فيول لشركة الكهرباء ولاستيراد الدواء والمحروقات.
ويعيش لبنان أزمة شح في الدواء بسبب عدم فتح مصرف لبنان اعتمادات جديدة لاستيراد الأدوية منذ شهر، فضلاً عن عدم تسديد اعتمادات لمستحقات متراكمة مترتبة لصالح الشركات المصدرة للأدوية، تجاوزت الـ600 مليون دولار، حسب ما تؤكده نقابة مستوردي الأدوية.
وكان مصرف لبنان قد أعلن أنه سيقوم بتسديد الاعتمادات والفواتير التي ستقدم إليه من قبل المصارف، والتي تتعلق بالأدوية، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، وفقاً للأولويات التي تحددها وزارة الصحة العامة، وضمن مبلغ لا يتعدى 400 مليون دولار، يغطي أيضاً مستوردات أخرى، منها الطحين، بما يضمن احترام نسبة التوظيفات الإلزامية، الأمر الذي عده تجمع أصحاب الصيدليات رفعاً للدعم بشكل شبه كامل عن معظم الأدوية، باستثناء بعض الأدوية المستعصية والمزمنة.
وتبلغ كلفة دعم الأدوية من قبل مصرف لبنان، عبر تأمين 85 في المائة من قيمة فاتورة استيراده، على السعر الرسمي للدولار ملياراً و200 مليون دولار، وتسعى الحكومة من خلال خطة وضعتها إلى تخفيض هذه القيمة إلى نحو 600 مليون دولار.
أما المحروقات، فيكلف دعمها مصرف لبنان 3 مليارات دولار سنوياً. ومع تناقص الاحتياطي من العملات الأجنبية، أقرت الحكومة منذ أسبوعين خفض دعم الوقود لمدة 3 أشهر، إذ رفعت قيمة دولار استيرادها من 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد (السعر الرسمي) إلى 3900 ليرة، ما رفع سعر المحروقات أكثر من 40 في المائة.
ولم ينجح تخفيض الدعم في حل أزمة المحروقات المستمرة منذ أشهر، فالكميات المستوردة لا تزال لا تكفي السوق المحلية، فضلاً عن استمرار التخزين والتهريب. وفي هذا الإطار، يلفت أبو سليمان إلى أن آلية تخفيض الدعم التي اعتمدت مؤخراً رفعت السعر على المواطن، ولم تخفف عن مصرف لبنان، لأنه كان هناك نسبة 15 في المائة يؤمنها المستورد على أساس سعر صرف السوق السوداء، واليوم لم تعد موجودة، وبالتالي إذا احتسبنا الفرق بين الدولار المدعوم على سعر 1500 ليرة للدولار، وذلك المدعوم على 3900 ليرة، مع إلغاء الـ15 في المائة، نجد أن الكلفة هي نفسها تقريباً.
وتحول الحديث عن التصرف بالاحتياطي الإلزامي إلى مادة جدال سياسية. ففي حين يعد بعض الأفرقاء السياسيين، ومن بينهم «التيار الوطني الحر»، أن هذا الأمر مفروض في ظل غياب الحلول، ترفض قوى أخرى، ومنها حزب «القوات اللبنانية»، رفضاً قاطعاً المس بالاحتياطي، بصفته آخر ما تبقى من أموال الناس، حسب ما يؤكده عضو «الجمهورية القوية» (تضم نواب القوات) فادي سعد.
ويشير سعد، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أن المس بالاحتياطي لتمويل استيراد المحروقات أو الأدوية أو لتمويل البطاقة التمويلية هو عبارة عن إعطاء المواطنين بيد والأخذ منهم بيد أخرى، لا سيما أنه حتى استخدام هذا الاحتياطي لا ينطلق من خطة تحمي الناس، وتؤمن استمرار الاستيراد، ما يعني صرف ودائع الناس من دون ضمان استمرار المواد الأساسية التي يحتاجون إليها، تماماً كما حصل عندما قررت الحكومة ومصرف لبنان دعم المواد الأساسية من دون خطة، ما كلف الدولة أموالاً طائلة لم تعد بالنفع المطلوب على المواطنين.
ورأى سعد أن ما يقوم به حالياً الفريق الحاكم هو محاولة الاستمرار بالدعم حتى النهاية، ولو على حساب المواطن، حتى يقول إنه حافظ على الدعم، مع الرهان على أن يتأجل الطوفان إلى ما بعد عهده، ولكن الأمور كما تسير حالياً تبدو متجهة بشكل سريع نحو الانهيار.
وكان البرلمان اللبناني قد أقر قانون بطاقة تمويلية، تمهيداً لرفع الدعم عن المواد الأساسية، تمنح لنحو 500 ألف أسرة 93 دولاراً أميركياً بشكل شهري، على أن تحسم الحكومة مصدر تمويلها.
وفيما تحاول الحكومة الاستفادة في تمويل البطاقة من قروض كان قد وافق عليها البنك الدولي لمشاريع أخرى، منها ما يتعلق بالنقل، يؤكد أبو سليمان أن العملية ليست بهذه السهولة، فهناك شروط وآليات يجب اتباعها، وهي تتطلب وقتاً، في حال موافقة البنك الدولي.
إيناس شرّي في “الشرق الأوسط”