فجّر المحقق العدلي طارق بيطار قنبلة مدوّية نفّست بعضاً من غضب اللبنانيين المتراكم بسبب غياب المحاسبة القضائية للمحظيّين سياسياً، بحسب ما اشار الكاتب الصحافي رضوان مرتضى في مقال نشر في صحيفة “الاخبار”.
واضاف الكاتب في مقاله : “لم تذهب جهود أربعة أشهرٍ، وصل خلالها القاضي بيطار النهار بالليل سُدىً. فرغم وجوب اللجوء إلى الحذر، يُنظر إليها كخطوة تعيد بعضاً، ولو قليلاً، من أملٍ مفقود في جسم قضائي مرتهن لأهل السياسة.”
الى ذلك خلص المطّلعون على معطيات ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بحسب كاتب المقال، إلى أربعة مستويات من المسؤولية قد تتفاوت بين بعضها البعض. المسؤولية الأمنية تحضر أولاً، لتليها المسؤولية الوظيفية، ثم القضائية فالسياسية. وأحياناً تكون هذه المسؤوليات على مستوى واحد بحيث إنه لو أنّ أحداً ممّن علم من بين هؤلاء بوجود موادّ خطرة في المرفأ، لكان قد قام بدور مسؤول، ولتمكن من الحؤول دون وقوع الانفحار.
من هنا، تُعدّ المسؤولية الأمنية الأكثر أهمية، في نظر قاضي التحقيق العدلي. ادعى بيطار على قائد الجيش السابق جان قهوجي وعدد من ضباط الجيش. لكن لم يقترب المحقق العدلي من قائد الجيش الحالي جوزيف عون.
وتفيد المعلومات بأن رئيس أمن المرفأ العميد طوني سلّوم قطع سلسلة المسؤولية من خلال زعمه أثناء التحقيق أمام بيطار أنه لم يُبلغ قيادته (مدير المخابرات السابق العميد طوني منصور وقائد الجيش العماد جوزف عون) بوجود نيترات الأمونيوم لكونه قلّل من أهميتها، بينما الضابط الذي سبقه العميد مروان عيد كشف أنه أرسل عدة كتب إلى رؤسائه (العميد ضاهر والعماد قهوجي).
واضاف كاتب المقال في مقاله “هنا يحضر سؤال انطلاقاً من مقولة أنّ الإمرة هرمية والقيادة والحكم استمرارية. لقد ادعى المحقق العدلي على مدير المخابرات السابق (ضاهر) لكونه كان يعلم بوجود نيترات الأمونيوم، لكنه لم يدّعِ على مدير المخابرات الذي تلاه العميد طوني منصور لانتفاء علمه بحسب المستندات المتوفرة في محضر التحقيق، مع أنّ الأخير كان أمين سر مديرية المخابرات أيام كميل ضاهر، وعُيِّن مديراً للمخابرات عام 2017، بعد تعيين العماد جوزيف عون قائداً للجيش. فهل يُعقل أنه لم يكن يعلم بوجود نيترات الأمونيوم في المرفأ منذ أن كان أميناً لسر المديرية؟ وإن سقطت جناية الإهمال مع القصد الاحتمالي، ألا يتحمّل مع القائد الحالي بالحدّ الأدنى مسؤولية جنحة الإهمال والتقصير في المتابعة والاستعلام؟ فضلاً عن أنّ القاضي بيطار ادّعى على العميد جودت عويدات الذي كان رئيس فرع التحقيق في مديرية المخابرات عام ٢٠١٧، أي في عهد العماد عون. فلماذا قد يدّعي عليه طالما أنّ العميد طوني سلوم ادّعى أنّه لم يبلغ المديرية بشأن النيترات؟”.
واضاف مرتضى في مقاله انه “قد تكون الإجابة موجودة لدى المحقّق العدلي، إلا أنّ الثابت أن الادّعاءات لن تتوقّف هنا فحسب، إذ إنّ المصادر القضائية تؤكد أنّ هذه الادعاءات أولية ستُستتبع لاحقاً بسلسلة ادعاءات تبعاً للمعطيات التي ستتوفر خلال التحقيق. كما أنّ الادعاءات لا تعني إدانة المدعى عليه، إنما تعني وجود شبهة حيال تورطه، وقد تسقط لاحقاً في حال عدم تحققها. ”
واكدت مصادر متابعة للتحقيق لـ”الأخبار” أنّ المحقق العدلي ادّعى على كل شخص ثبت أنّه تلقّى مستنداً بشأن وجود نيترات الأمونيوم في العنبر الرقم 12 في مرفأ بيروت، ولم يقم بأيّ إجراء فعلي للحؤول دون حصول الانفجار. على سبيل المثال، وافق المحقق العدلي على إخلاء سبيل الرائد في الأمن العام داود فياض، لكنه طلب الإذن من وزير الداخلية محمد فهمي لملاحقة اللواء عباس إبراهيم والادعاء عليه، مع أنّ إبراهيم لدى تلقّيه مراسلات ضباط الأمن العام من مرفأ بيروت أرسل بريداً أمنياً إلى كل من رئاسة الجمهورية والحكومة (في عهد الرئيس تمام سلام) ووزير الأشغال غازي زعيتر ووزير الداخلية آنذاك نهاد المشنوق. فادّعى على هؤلاء الذين ثبت تلقّيهم الكتاب المُرسل.
وقالت المصادر إنّ المشنوق تلقّى بريداً أمنياً من الأمن العام يتحدث عن دخول “مواد شديدة الخطورة إلى مرفأ بيروت”. وهذا الأمر أكّده المشنوق، لكنه لم يقم بأي إجراء. لذلك ادّعى بيطار على المشنوق، علماً بأنّ الأخير أكّد لـ”الأخبار” أنّه لم يستدعه لا المحقق العدلي السابق فادي صوان ولا الحالي طارق بيطار، كاشفاً أنه لم يقم بأي إجراء لكون المراسلة تضمّنت إشارة إلى وجود حجز قضائي على السفينة، ما يعني أنّ الملف في عهدة القضاء وما ينفي وجوب تدخّله أصلاً.
ولفت الكاتب في مقاله الى ان القاضي بيطار لم يدّعِ على الوزير الأسبق غازي العريضي نظراً الى عدم وجود أي مُستند يُثبت أنه تلقى مراسلة بشأن النيترات، بينما ادعى على زعيتر لوجود مستند يفيد بتلقّيه معاملة قام بإحالتها على قاضي الأمور المستعجلة، من دون أن يُتابعها. أما ادّعاؤه على يوسف فنيانوس فلوجود مراسلات عديدة وصلت إليه بين القضاء وإدارة المرفأ، من دون أن تُتابع مسألة إزالة الخطر حتى النهاية. الأمر نفسه ينسحب على النائب علي حسن خليل الذي وصلته، عندما كان وزيراً للمالية، مراسلة من الجمارك أحالها لمخاطبة قاضي الأمور المستعجلة من دون متابعتها أيضاً. وبالتالي تحقق، في نظر القاضي، الإهمال مع القصد الاحتمالي لعدم الاكتراث لوقوع مخاطر جراء عدم إزالة الخطر.
وفق هذه القاعدة، يُطرح سؤال بشأن اللواء إبراهيم، الذي أرسل البريد الأمني إلى الرئاستين الأولى والثالثة ووزارتَي الأشغال والداخلية، بشان وجود نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، فلماذا ادُّعي عليه؟ تُجيب المصادر المطّلعة على التحقيق بأنّ إبراهيم بعث بالمراسلة عام 2014، لكنه لم يُتابع القضية حتى عام 2019، تاريخ قيام أمن الدولة بفتح تحقيق بشأن العنبر الرقم 12. ولأجل ذلك، ادُّعِي عليه، علماً بأنّ مصادر الأمن العام تؤكد أن صلاحيتها تنحصر بالأشخاص وليس العنابر في ظل تولّي الجيش أمن المرفأ. غير أنّ مصادر التحقيق تتحدث عن وجود مادة في نظام المرافئ والموانئ (الصادر عام 1966) تُلزم الأمن العام بحراسة العنابر. فضلاً عن أنّ المحقق العدلي استند قبل ادعائه على مراسلة قديمة من رئيس دائرة الأمن العام في المرفأ عام 2001، يخاطب فيها الجيش بأنه سيؤمن الحراسة إلى جانبهم عملاً بنظام المرافئ والموانئ. لكن مصادر الأمن العام تلفت إلى أن النصوص القانونية التي صدرت بعد عام 1966، عدّلت مهمة الأمن العام في الموانئ والمرافئ والمعابر، لتقتصر على أعمال الضابطة الإدارية المعنية بحركة الأفراد حصراً.
السؤال نفسه ينطبق على مسألة عدم الادعاء على رئيسَي الحكومة السابقين سعد الحريري وتمام سلام. فبيطار، اضاف كاتب المقال، حدّد موعداً للاستماع إلى رئيس الحكومة حسان دياب كمدّعى عليه، لوجود مستند يفيد بعلمه بأمر النيترات، لكن مراسلة الأمن العام التي أُرسلت إلى رئاسة مجلس الوزراء عام 2014، تضمّنت معلومات عن وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ. فلماذا لم يدّع على الرئيس تمام سلام؟ كذلك الرئيس سعد الحريري الذي تولّى رئاسة الحكومة بين عامَي 2016 و2019، فلماذا لم يشمله الادّعاء؟ تُجيب المصادر بأن قاضي التحقيق لم يجد ما يُثبت أن الرئيس سلام قرأ مراسلة الأمن العام، كما لم يجد ما يؤكد أن الحريري علم بأمر النيترات!
المصدر: جريدة الأخبار