شكلت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري الحكومية مناسبة جديدة للمبارزة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إذ إن رئيس المجلس وجد الفرصة المتاحة لمنع “الجنرال” من تحقيق هدف يسعى إليه.
منذ إعلان الرئيس سعد الحريري نيته العودة إلى السراي وعون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل ينتظرانه على الكوع، ووصلت الأمور إلى حدّ توجيه عون كلمة إلى اللبنانيين محذّراً من خطورة تكليف الحريري.
وبما أن الصراع مشتعل بين عون وباسيل من جهة والحريري من جهة أخرى، كاد المحور الأول أن يُسجّل هدفاً كبيراً في مرمى الحريري الذي كان ينوي الإعتذار، لكنّ تدخّل برّي منعه من الإعتذار وبالتالي منع عون وباسيل من تحقيق الإنتصار، خصوصاً وأن باسيل يعمل بعد ثورة 17 تشرين وفق قاعدة: “يا أنا والحريري جوّا يا أنا والحريري برّا”.
وعلى رغم محاولة بثّ أجواء تفاؤلية، إلا أن الواقع يؤكّد أن مبادرة برّي باتت في حكم المنتهية ولو أكد في بيانه العنيف رداً على الرئاسة الأولى أمس أنها مستمرّة، خصوصاً وأنها لم تحظَ بتدخّل مباشر وحازم من “حزب الله”، ويبدو أن “الحزب” ترك برّي وحيداً في مواجهة خصمه اللدود على رغم نشاط الخليلَين وتوسّطهما لدى الأطراف المتنازعة.
إذاً، تدخل البلاد مرحلة جديدة من الصراع عنوانها عون وباسيل في مواجهة الحريري وبرّي، بينما يراقب “حزب الله” تصرفات حلفائه، لكن لحظة الحسم لم تأتِ بعد، خصوصاً وأن مفاوضات فيينا النووية لا تزال تواجه بعض العقبات.
ويعلم الجميع أن الصراع العنيف بين عون وبري لم يبدأ اليوم، وعلى رغم تطرية الأجواء بعد “تفاهم مار مخايل” في 6 شباط 2006 والتواجد معاً في ساحة رياض الصلح لإسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، إلا أن كل هذا لم يكرّس التفاهم بين “أمل” و”التيار الوطني الحرّ”، وانفجر هذا الصراع علناً في انتخابات العام 2009 النيابية، حيث خاض عون المعركة ضدّ بري في جزين مسقطاً حليفه الأول سمير عازار، فما كان من برّي إلا أن ردّ على عون بعد سنة في الإنتخابات البلدية، مساهماً في إسقاط لائحة “التيار الوطني” في مدينة الحرف جبيل.
واستمرّ شدّ الحبال بين الرجلين داخل الحكومات المتعاقبة، وانفجر خلال التسوية الرئاسية الأخيرة حيث كان برّي من أشدّ المعارضين لإنتخاب عون، محذراً من أن هذه العملية ستوصل رئيسين للبلاد، أي عون وباسيل.
وعلى رغم محاولة التبريد داخل الحكومة إلا أن صراعاً من نوع آخر انفجر بين عون وبري، عندما حاول رئيس الجمهورية تمرير مراسيم الترقيات في كانون الأول من العام 2017، لكن المشكل الكبير الذي كاد أن يشعل حرباً أهلية هو وصف باسيل لبرّي بـ”البلطجي” خلال لقاء في بلدة محمرش البترونية.
وتستمرّ المناكفات بين الرجلين، لكن هذه المرّة بصورة حاسمة وخرقت كل السقوف، فالرئيس برّي الذي لم يصوّت لعون رئيساً للجمهورية، لا يرى إنتخاب باسيل رئيساً، وهذا الأمر هو بيت القصيد.
والأمر الثاني المهمّ، لا يريد برّي أن ينكسر الحريري أمام عون وباسيل، لذلك يُفهم منسوب الدعم الذي يتلقّاه الحريري من عين التينة، فاعتذار الحريري سيدفع باسيل مجدداً إلى التأثير على مجريات التأليف والتكليف.
وأمام كل هذه العوامل فإن الصراع بين عين التينة وبعبدا سيبقى مستمراً ولا أفق لحلّه وقد يستمر لنهاية العهد، في حين أن البلاد بكل ما ومن فيها هي التي تدفع ثمن كل تلك الصراعات.
ألان سركيس في “نداء الوطن”