يُستشفّ من التعميم الذي أصدره المصرف المركزي أمس ان سعر صرف جديداً سيطرح في الاسواق اعتباراً من يوم غد من خلال منصة «صيرفة» بسعر 12,000 ليرة للدولار، على ان تبدأ المنصة عملها الفعلي الخميس المقبل. ويوكِل التعميم مهمة الصيرفة للمصارف لكن يخشى ان يستغل ذلك لتعزيز رصيدها لدى المصارف المراسلة، امّا تدخّل المركزي بالمنصة عبر ضخ الدولارات فهو استعمال علني للاحتياطي الالزامي يهدف الى امتصاص ثلث الليرات المتداولة في السوق.
وفي قراءة لتعميم مصرف لبنان، يقول المستشار المالي ميشال قزح لـ»الجمهورية» ان ما يحاول مصرف لبنان القيام به اليوم هو امتصاص الليرة من السوق، إذ يتبيّن وفق آخر ميزانية نشرها المركزي ان كمية النقد المتداولة في السوق تقدر بحوالى 39 تريليون ليرة أي بما يوازي حوالى 3 مليارات دولار اذا احتسب الدولار بحوالى 12 الف ليرة. فعلياً، اذا باع المركزي اليوم مليار دولار من خلال المنصة يكون قد امتص 12 تريليون ليرة من السوق، متوقعاً ان يتراجع عرض الليرة او توفرها في الفترة المقبلة.
واكد قزح ان امتصاص الليرة سيكون على حساب الاحتياطي الالزامي، فمتى تراجع عرضها سينخفض الطلب على الدولار وهذا ما يراهن عليه المركزي اليوم.
ولفت قزح، رداً على سؤال، الى انه بنتيجة هذا التعميم سيتحول عمل المصارف الى الصيرفة، لكنه لم يستبعد ان تلجأ المصارف في حال كان عمل المنصة مفتوحاً امام الجميع أي امام الافراد والشركات الى خفض سقف السحوبات للأفراد بالليرة كي تستعمله في المقابل لشراء الدولارات عبر المنصة بغرض تعزيز احتياطاتها لدى المصارف المراسلة. على سبيل المثال، قد تلجأ المصارف الى خفض سقف السحوبات للأفراد من 20 مليون ليرة شهريا الى 5 ملايين ليرة على ان تستعمل الـ 15 مليون ليرة المتبقية لشراء الدولارات من خلال المنصة وتحويلها الى المصارف المراسلة، لافتاً الى ان هذا الاحتمال وارد الا في حال أعطيت دولارات المنصة مقابل فواتير استيراد.
وأكد قزح ان هذا التعميم لن يلغي السوق السوداء التي يباع فيها الدولار بحوالى 12600 ليرة، إنما ما حصل هو خلق سعر صرف جديد، ووفق دراسة أعدّها قزح يتبيّن ان لدى المركزي اليوم 9 مليارات دولار نقداً قابلة للاستعمال، مبرراً ذلك بأنّ الورقة التي قدمها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى رئيس الجمهورية ميشال عون في شباط 2020 تظهر ان قيمة النقدي المتوفرة هو 21 مليار دولار، وبالنظر الى حجم العملات الصعبة التي يصرفها شهرياً وبعد حذفها من قيمة هذا النقدي يتبقى حوالى 9 مليارات دولار نقدي. وأوضح قزح انه من ضمن قيمة اموال الاحتياطي التي يصرّح بها المركزي والتي تبلغ 15 مليار دولار يوجد 6 مليارات دولار أقرضَها للمصارف، أي هي ديون غير متوفرة نقدا حالياً، وهذا ما يؤكد أيضا انّ الاحتياطي الالزامي النقدي القابل للتصرف به هو 9 مليارات دولار فقط.
وعن تقديراته لكمية الأموال التي سيضطر المركزي الى ضخّها في المنصة للمحافظة على سعر 12 الف ليرة ولاحقاً خفضها، يعبّر قزح عن اعتقاده ان المصرف المركزي لطالما تدخل في السوق السوداء للجم انهيار الليرة من خلال الصرافين، اما الآن فسيتحول لضخ الدولارات من خلال المصارف عبر منصة صيرفة وهو بذلك يهدر المليارات الأخيرة المكونة للاحتياطي الالزامي.
وقدّر قزح ان يؤمّن المركزي ما بين 5 الى 6 مليارات دولار سنويا لدعم الليرة ولتأمين فاتورة الاستيراد. وعليه، من المتوقع ان يخدم الاحتياطي حوالي عام ونصف العام كأبعد تقدير قبل ان يهدر كلياً، وعندها يصبح الاحتياطي صفراً ولن يبقى امام لبنان سوى بيع الذهب إذا لم ندخل في برنامج عمل إصلاحي مع صندوق النقد الدولي.
ورداً على سؤال اذا كانت ستنجح المنصة في خفض سعر الدولار الى 10 آلاف ليرة؟ يقول قزح: كان الاجدى بمصرف لبنان ان يبدأ ببيع الدولار عبر المنصة بالسعر المعمول به في السوق السوداء أي 12700 او 12800 ليرة تكون متاحة للجميع، وترك السوق تسعّر الليرة من خلال حركتي العرض والطلب على ان يتدخل المركزي فقط في حال انهيار الليرة. بهذه الطريقة يتوحّد سعر الصرف ويتحسن سعر الليرة ويمكن عندها خفضه تدريجاً الى 12000 ليرة، مستبعدا ان تتمكن المنصة من خفض سعر الصرف الى 10 آلاف ليرة وفق ما سبق وصرّح وزير المالية.
وعما اذا كان بدء العمل بالمنصة سيحدّ من اي ارتفاعات مستقبلا في سعر الدولار مقابل الليرة، يقول قزح: ان سعر الصرف يتحدّد عندما يتم رفع الدعم كليا خصوصاً عن المحروقات التي تكلّف حوالى 4 مليارات دولار سنويا، عندها يتوقّف المركزي عن استنزاف الدولارات التي لديه ويترك للسوق ان تحدّد سعر الصرف.